صحيفة الانباء 13يونيو 2022
https://alanba.com.kw/1124520/

تقدمت الحكومة فور تشكيلها لمجلس الامة برنامج عملها التزاما لأحكام الدستور ، ويتضمن برنامج عمل الحكومة عدد من المرتكزات منها ما يتعلق بالإصلاح المالي، وهو يستهدف تحقيق الاستدامة المالية من خلال مبادرة تطوير الإدارة المالية، ولتحقيق الإصلاح المالي يتطلب إعادة النظر في التشريعات المنظمة للإدارة المالية ومن اهمها المرسوم بقانون رقم (31) لسنة 1978 بشأن قواعد اعداد الميزانية العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي وتعديلاته.
وفي هذا السياق وفي وقت سابق تقدمت وزارة المالية بمشروع قانون بتعديل جذري على المرسوم بقانون رقم (31) لسنة 1978 على النحو المنشور في الموقع الرسمي لوزارة المالية ( www.mof.gov.kw ) ، تحت مسماه الجديد (قانون في شأن قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها)، وقد جاء هذا المشروع بعد عدة تجارب للإدارة المالية للدولة في تنظيم الشئون المالية فيها.
فالانطلاقة الأولى للإدارة المالية الحديثة كان قبل صدور دستور دولة الكويت ، عندما صدر المرسوم الاميري رقم (1) لسنة 1960 بشان قانون بقواعد اعداد الميزانية العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي ، والذي جاء ليرسي قواعد ثابتة لإعداد ميزانية الدولة والحساب الختامي وللرقابة على تنفيذ الميزانية ، حسب رؤية المشرع في ذلك الوقت ، وهي قواعد استخلصت اكثرها من التجارب التي مرت بها الإدارة المالية ، والتي اثبتت التجارب صلاحيتها ، وتطلّبت الحاجة على وجوب تقنينها لتكون قواعد مستقرة تلتزم بها الإدارة المالية والدوائر الحكومية الأخرى ، لتقوم الميزانية العامة للدولة على أسس ثابته ، وهو يعتبر امر من الأمور ذات الأهمية في السياسة المالية للدولة .
اما الانطلاقة الثانية فكانت بصدور المرسوم بقانون رقم (31) لسنة 1978 بشأن قواعد اعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي وتعديلاته، والذي رأى المشرع بان يتم وضع قانون متكامل يحل محل المرسوم بقانون رقم (1) لسنة 1960 المعمول به في ذلك الوقت ،بدل من ادخال تعديلات جزئية عليه بهدف تحقيق البساطة والوضوح في التشريع ، حيث وضع المرسوم بقانون المبادئ الأساسية للميزانيات سواء كانت ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية ،او الميزانيات الملحقة بها ،او ميزانيات الهيئات والمؤسسات المستقلة .
وقد اكد المرسوم بقانون على مبدا الشمولية والوحدة ومبدأ سنوية الميزانية ، كما قرر تنظيم استقطاع نسبة مئوية سنويا من الإيرادات لتكوين احتياطي للأجيال القادمة لتامين مستقبلها ، وتنظيم ما يسفر عنه نتيجة الاعمال الميزانية السنوية ، هذا وعالج التشريع إجراءات اعداد الميزانية العامة للدولة وميزانيات الجهات والملحقة والمستقلة واصدارها ، ودور الجهات الحكومية المعنية في اعدادها ، وتنظيم الحسابات العامة والرقابة الحسابية ، وتحديد النظام المحاسبي المتبع بحسابات الدولة ، وتنظيم التقارير الدورية والختامية للجهات الحكومية بأنواعها .
ومقترح وزارة المالية الحالي المتمثل بمشروع قانون باستبدال المرسوم بقانون رقم (31) لسنة 1978 بشأن قواعد اعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي وتعديلاته ،في حال اقراره يعتبر الانطلاقة الثالثة لتحديث الإدارة المالية للدولة، وعلى الرغم من عدم قيام وزارة المالية بنشر المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون في شأن قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها، الا اننا نتوقع من هذا القانون والذي سيصدر بعد ما يزيد عن اربعون عاما من صدور المرسوم بقانون (31) لسنة 1978 بان يراعي التطورات التي تمت على النظم المالية العامة والتقدم التكنلوجي الهائل في مجال الأنظمة الآلية وبالأخص المالية منها ، آخذا بالاعتبار معالجة الثغرات في التشريع القائم ، وان يتماشى مع تطلعات ومتطلبات الإدارة المالية الحديثة في ظل رؤية الكويت 2035 .
لكن هل جاء المشروع المقدم من وزارة المالية بما يتسق بشكل كامل مع متطلبات الإدارة المالية للدولة الحديثة؟ هذا ما سنوضحه من خلال قراءتنا لأحكام مشروع القانون.
الشكل والاحكام العامة
فبعد الاطلاع على المشروع نرى ان أول تغيير طال التشريع القائم هو عنوانه ، والذي جاء على النحو الاتي ( مشروع قانون في شأن قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها ) ، ونلاحظ بان مشروع القانون من خلال عنوانه يعكس اهتمام المشرع بركيزتين ، بعدما كانت التشريع الحالي في عنوانه يهتم بثلاثة ركائز ، الركيزة الأولى وهي تتعلق بالقواعد التنظيمية لإعداد الميزانيات العامة ، والركيزة الثانية هي القواعد التنظيمية للرقابة على تنفيذ الميزانيات ، اما الركيزة الثالثة التي وردت في التشريع القائم ولم ترد في مشروع القانون هي القواعد التنظيمية المتعلقة بالحساب الختامي والتي تمثل التقارير السنوية التي تعدها الإدارة المالية العامة للدولة ، والتي نرى من الأهمية ان يكون للتقارير الدورية ومنها الختامية انعكاس في عنوان التشريع لإبراز أهميتها ولتعزيز الحوكمة والشفافية للبيانات المالية للدولة من خلال تلك التقارير.
ومن جانب آخر فقد كان متوقع بان يصحح المشروع المفاهيم المتعلقة باستخدام المصطلحات الفنية الدقيقة في شان المالية العامة ، وذلك باستخدام مصطلح الموازنة العامة بدلا من الميزانية العامة ، باعتبار ان الموازنة العامة للدولة هي الأداة التخطيطية الرئيسية التي تستخدمها وزارة المالية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية في الدولة ، هذا الى جانب استخدامها كأداة للمراجعة والمسائلة ، باعتبارها بياناً يوضح توقعات وتنبؤات الدولة لإيراداتها ونفقاتها خلال فترة مقبلة، وليس بيانا ماليا خلال فترة سابقة ، وقد يثير البعض بان تغيير هذا المصطلح قد يتعارض مع ما ورد بأحكام الدستور [1] ، وفي راينا لا نتفق مع هذا الطرح لان استخدام المصطلحات الفنية السليمة لن يغير من جوهر الاحكام ، وما يدلل على ذلك عندما نص الدستور في أحكامه بان يُنشأ بقانون ديوان للمراقبة المالية ملحق بمجلس الامة [2] ، الا ان بموجب القانون رقم (30) لسنة 1964 تم انشاء ديوان للمحاسبة تنفيذا لأحكام الدستور ، وعدم صدوره بمسمى الرقابة المالية لم يعتبر مخالفا لأحكام الدستور .
وفي شأن المفاهيم الأخرى الواردة بمشروع القانون [3]، فقد وضّح المشروع المقصود ببعض الكلمات والعبارات الواردة فيه ، حيث أورد تعريف للجهات الحكومية والجهات ذات الميزانيات الملحقة والجهات ذات الميزانيات المستقلة ، وفي راينا ان التعريفات الواردة بالمشروع لا تتسم بالوضوح والدقة ، حيث جاء تعريف الجهة الحكومية بمشروع القانون بشكل مغاير للتعريف بالتشريع الحالي [4]، وبما لا يتسق في راينا مع التعريف الوارد بالمرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن نظام الخدمة المدنية وتعديلاته ، باعتبار ان الجهة الحكومية تطلق على الوزارات والإدارات الحكومية والجهات ذات الميزانية الملحقة والمستقلة [5]، كما جاء ضمن تعريف الجهات الميزانيات الملحقة بانها الوزارات التي تلحق ميزانيتها بميزانية الوزارات والإدارات الحكومية ، وهذا التعريف ليس في محله فلا يوجد وزارة تلحق بميزانية الوزارات والإدارات الحكومية .
اما تعريف الأنظمة المالية فقد جاء تعريفها بانها (هي الدورة المستندية والإجراءات والأنظمة الآلية وكافة الإجراءات واجبة الإتباع في سبيل دقة وسلامة البيانات المالية والحفاظ على أصول الدولة) ، وعلى الرغم من تعدد التعريفات في هذا الشأن الا اننا نرى ان التعريف الأنسب والاوضح للأنظمة المالية (هي العمليات والإجراءات التي تستخدمها الجهات الحكومية لممارسة الرقابة المالية والمحاسبة، وتتضمن هذه الإجراءات التسجيل والتحقق والإبلاغ في الوقت المناسب عن المعاملات التي تؤثر على الإيرادات والنفقات والأصول والالتزامات) .
ومن جانب آخر تناولت الاحكام العامة لمشروع القانون المسائل التي يتم مراعاتها عند اعداد الجهات الحكومية لميزانيتها وهي اهداف وبرامج خطة التنمية[6]، الا انه في رأينا كان يجب ان تتضمن الاحكام ما يتعلق مراعاة برنامج عمل الحكومة وذلك تأسيسا لأحكام الدستور[7].
كما تناولت الاحكام العامة إلزام الجهات الحكومية بتزويد وزارة المالية بتقارير سنوية[8]، ونرى ان مثل تلك الاحكام والمتعلقة بالتقارير يجب ان يكون مكانها في الفصل الخاص بالحساب الختامي وليس ضمن الاحكام العامة، خاصة وان ما جاء به يعتبر تكرارا الى حد كبير لما ذكر في الفصل الرابع والخاص بالحساب الختامي [9].
هذا وأشارت الاحكام العامة بان تشكل بقرار من وزير المالية لجنة برئاسة وعضوية ذوي الاختصاص لمناقشة وتحديد الإطار العام لمشروع الميزانية العامة للدولة[10]، في حين ان التشريع الحالي ينص على ان تكون اللجنة برئاسة وزير المالية[11]، وفي ظل عدم نشر المذكرة الايضاحية فانه من غير الواضح ان كانت رئاسة اللجنة من قبل الوزير ومن ثم يعتبر ثمة هناك خطأ مادي بالمادة (برئاسته بدلا من برئاسة).
الإيرادات والمصروفات
يلاحظ ان مشروع القانون قد ألغي الاحكام الحالية المتعلقة بتحديد نسبة مئوية من جملة الإيرادات المقدرة تضاف الى احتياطي الأجيال القادمة وذلك استنادا الى قانون رقم (18) لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام المرسوم بالقانون رقم (106) لسنة 1976 في شأن احتياطي الأجيال القادمة[12]، وفي راينا ان تعديل القانون جاء ليصحح المبادئ المتبعة سابقا في شان تكوين الاحتياطيات بما يتسق مع معايير المحاسبة الدولية باعتبار ان الاحتياطيات يتم تكوينها من نتائج الاعمال وليس استقطاع مباشر من الإيرادات كما هو منصوص عليه حاليا ، علما بانه لوحظ عدم الاشارة الى القانون رقم (18) لسنة 2020 في توطئة مشروع القانون.
هذا واغفل مشروع القانون دور جهاز المراقبين الماليين وفق قانون انشاءه رقم (23) لسنة 2015، والذي يلزم الجهات الحكومية على عرض مشروع ميزانية الجهات على المراقب المالي لإبداء الرأي عليه قبل تقديمه إلى وزارة المالية، هذا على الرغم من ذكر قانون انشاء الجهاز في توطئة مشروع القانون [13]، ومن المستغرب بان دور المراقب المالي في هذا الشأن ورد ضمن الاحكام المنظمة للجهات ذات الميزانية المستقلة فقط [14].
تنفيذ الميزانية والرقابة عليها
تم استحداث حكم في مشروع القانون بحيث يجيز بقرار من مجلس الوزراء – بناء على اقتراح الجهة وبعد موافقة وزير المالية- إعفاء إحدى الجهات الخاضعة لهذا القانون من كل أو بعض الديون والمستحقات المطلوبة لجهة حكومية أخرى [15]، وفي رأينا يجب ان لا يكون الحكم في صياغته المطلقة على النحو المذكور بالمشروع، هذا على ان يكون اقتراح الجهة او موافقة وزير المالية مشفوع براي قانوني وعلى وجه التحديد ادارة الفتوى والتشريع.
ومن جانب آخر يجب ان تحدد نوع الديون المعنية بالمادة فيما إذا كانت ناتجة عن الخدمات التي تؤديها الجهة الحكومية ام انها ديون غير مرتبطة بها والتي في رأينا لا تستوجب الاعفاء منها ، وفيما إذا كانت الديون مسجلة بقيود نظامية ام محاسبية، وان كل تلك المسائل المثارة تأثر على قرار الاعفاء والمعالجة المرتبطة بالقرار، كما ان الامر يتطلب بان يتم احالة هذه المسالة الى تعاميم تصدر من وزير المالية في هذا الشأن لتحدد ماهية الديون التي يسمح بإعفاء عنها وما هي المعالجة المالية لها.
كما استحدث مشروع القانون أيضا حكم يجيز بموافقة مجلس الوزراء ادراج مبلغ الاحتياطي بالميزانية[16]، وذلك للحالات التي تقتضي تمويل بعض الاحتياجات غير المتوقعة أو التي قد تطرأ خلال السنة المالية، مع تحديد الجهة المستفيدة والهدف الاستراتيجي والبرنامج والنشاط المقصود، وعلى الرغم من عدم تعريف الاحتياطي بالتعريفات الواردة بمشروع القانون وهذا أيضا مأخذ على المشروع ، براينا بان مثل هذا الحكم لا يتسق مع معايير المحاسبة الدولية باعتبار ان الاحتياطيات تتكون من نتائج الاعمال كما اسلفنا ذكره ، كما ان السحب من الاحتياطي يستلزم أداة تشريعية بدرجة قانون وليس بقرار من مجلس الوزراء ، ونعتقد هنا وجود إشكالية في صياغة الهدف المقصود من هذا الحكم .
وان كان المقصود بالاحتياطي هو تخصيص اعتماد مالي للحالات التي تقتضي تمويل بعض الاحتياجات غير المتوقعة ، فيجب صياغة الحكم ضمن احكام فصل تقدير المصروفات بحيث يتم تخصيص اعتمادات مالية على مستوى كل باب من أبواب الميزانية -حسب الأحوال- لتلك الحالات ،أو التي قد تطرأ خلال السنة المالية ،باعتبار بانه لا يجوز النقل بين اعتمادات أبواب الميزانية الا بقانون وفقا لأحكام الدستور ، ومثل هذا الحكم هو قريب من مبدأ الاعتمادات التكميلية المتبعة حاليا في الإدارة المالية بالدولة ،الا انها تستلزم وجود قيود واضحة لاستخداماتها مثل الطوارئ والكوارث التي تواجه الدولة، هذا ونؤكد على أهمية ان تكون هناك اعتمادات مرصودة بالميزانية لا تستخدم الا في حالات الطوارئ والكوارث وهذا يتسق مع الاتجاهات الحديثة في اعداد الميزانيات العامة للدول.
هذا ولوحظ انه تم تعديل الحكم المتعلق بالاستثناء الخاص بإجازة إبرام عقد يترتب عليه التزام مالي يجاوز سنة مالية إلى سنة مالية مقبلة مالم ينص القانون على تخصيص اعتماد لهذا الغرض لأكثر من سنة مالية واحدة الوارد بالتشريع الحالي [17]، حيث تم إضافة عبارة (الخدمات الأخرى) ضمن الاستثناءات [18]، الا ان مشروع القانون لم يوضح ضمن التعريفات تعريفا للخدمات كما هو معمول به في القانون رقم 49 لسنة 2016 بشأن المناقصات العامة وتعديلاته ،وهذا أيضا مأخذ على المشروع ، وعدم وجود تعريف سوف يترتب عليه وجود إشكالات في تطبيق هذا الحكم باعتباره تعريفا مطلقا.
كما لوحظ تحسين مشروع القانون للأحكام المتعلقة بالدفعات المقدمة من حيث الزام تقديم خطاب ضمان بقيمة الدفعة المقدمة ، واستثناءه للاشتراكات والخدمات المتبادلة بين الجهات ، بالإضافة الى تضمين الاحكام اصدار وزير المالية التعاميم اللازمة لتنفيذ هذه المادة [19]، وعلى الرغم من ذلك الا في راينا ما يعاب على هذا التعديل وجود استزادة في المادة وهي العبارة ( … بما لا يتجاوز النسبة المستحقة قانونا… ) لعدم وضوح مضمونها ، هذا بالإضافة الى المثلب المتعلق في قصر الاستثناء على الاشتراكات والخدمات المتبادلة بين الجهات ، حيث ان هناك اشتراكات غير حكومية تستلزم الاستثناء أيضا ، على سبيل المثال وليس الحصر الدوريات التي تصدر من دور النشر المختلفة واشتراك خدمات الشبكات المخالفة ( الانترنت ، الهواتف المحمولة …. ) هذا بالإضافة على استخدام بعض التراخيص كتراخيص البرامج الالكترونية وغيرها.
النظام المحاسبي:
ان من اهم الركائز التي يجب ان يتناولها مثل هذا التشريع المالي هي الاحكام التي تحدد النظام المحاسبي المستخدم في النظام المالي للدولة ، فالتشريع الحالي قد حدد النظام المحاسبي وهو الأساس النقدي المعدل [20]، حيث لا يعتبر ضمن إيرادات السنة المالية او مصروفاتها الا المبالغ التي تم تحصيلها او صرفها فعلا خلال السنة المالية المعنية ، كما يعتبر في حكم المصروف ما يستحق عن عمل أدى فعلا او مهام تم تسليمها خلال السنة المالية ، ولو لم تستكمل إجراءات صرف هذه الاستحقاقات قبل نهاية السنة المالية لاي سبب من الأسباب ، على ان تتم تسوية هذه المبالغ وفقا للشروط والأوضاع التي يحددها وزير المالية.
لكن ما جاء في مشروع القانون بان أحال لوزير المالية وضع الأسس المحاسبية التي تتم لقيد العمليات المتعلقة بتنفيذ الميزانية في الوزارات والإدارات الحكومية والهيئات ذات الميزانيات الملحقة[21]، وهو يعتبر تفويضا تشريعا لوزير المالية بان يحدد هو النظام المحاسبي للنظام المالي للدولة ودون أي قيد او حدود زمنية لتحديد الأساس المحاسبي.
وفي راينا ان مثل هذا التعديل لا يعتبر تعديلا حصيفا ،وذلك لان جوهر النظام المالي للدولة هو تحديد النظام المحاسبي ، خاصة وان وزارة المالية قد قطعت شوطا طويلا لما يزيد عن عقدين من الزمن في اتجاه تعديل نظامها المحاسبي من الأساس النقدي المعدل الى الاستحقاق ، وذلك بتكليف كبرى البيوت الاستشارية في دراسة وإعادة هيكلة العمليات في وزارة المالية ، ثم تلا ذلك تبني الأنظمة المحاسبية من خلال الاستراتيجية الانتقالية للتحول الى محاسبة الاستحقاق بشكل كامل وصحيح باستخدام معايير المحاسبة الدولية في القطاع العام (IPSAS) ، واستخدام دليل إحصاءات مالية حكومية (GFS2001) الذي أصدره صندوق النقد الدولي ، مما استلزم استجلاب الأنظمة الالية الحديثة (Oracle) لتنفيذ مثل هذا النظام المحاسبي .
فمن غير الموضوعي بعد تلك الدراسات والتكاليف التي تم تكبدها لا يتم تحديد النظام المحاسبي المزمع تنفيذه في مثل هذا التشريع بعد ان قطعت الإدارة المالية للدولة شوطا طويلا في هذا الاتجاه.
الحسابات والرقابة الحسابية
ألزمت احكام مشروع القانون بان تقوم الجهات الحكومية بتطبيق الأنظمة المالية والمحاسبية التي تحددها وزارة المالية [22]، الا ان مشروع القانون بالتعريفات قد عرف الأنظمة المالية ولم يعرف الانظمة المحاسبية، الامر الذي قد يترك فراغا في تفسيرات الأنظمة المحاسبية المعنية في الاحكام.
كما تناولت الاحكام تنظيم للتقارير الشهرية والربع سنوية[23]، ونظرا لورد أكثر من حكم بشأن التقارير التي تلتزم الجهات الحكومية في تقديمها في أكثر من موقع في مشروع القانون، ولأهمية التقارير باعتبارها أحد ركائز هذا التشريع، وكما أسلفنا نرى من الأهمية ان يكون للتقارير الدورية ومنها الختامية احكاما منفصلة بقسم خاص في التشريع، بما يعزز شفافية البيانات المالية للدولة ويتسق مع المعايير الدولية المتعلقة بالإفصاح.
وكان متوقع من مشروع القانون هذا ان يعالج القصور في التشريع الحالي وذلك بالاهتمام بأصول الدولة المنقولة باعتبارها احد ممتلكات الدولة ،من خلال تخصيص قسم يتناول الاحكام المتعلقة بأنظمة الأصول والمخزون وكل ما يتعلق بها من سجلات وأنظمتها الرقابية ، خاصة وان التعليمات الصادرة من وزارة المالية تتضمن بشكل أساسي حسابات تتعلق بالنفقات الرأسمالية منها الأصول المتداولة ، الا ان مشروع القانون لم يتضمن الا حكما واحدا يتعلق بتحديد وزير المالية لكافة النظم الحكومية المالية والإدارية والمستندية وغيرها المتعلقة بالمواد المخزنية ،والأصول المنقولة منذ دخولها في حيازة الجهة وحتى التصرف فيما يخرج منها عن نطاق الاستخدام[24].
ولا يقتصر القصور في هذا الجانب فقط، وانما امتد القصور الى عدم تضمين مشروع القانون احكام خاصة بنظم الشراء والتي تعتبر من الأنظمة المهمة التي كان من المفروض ان يتناولها مشروع القانون ، خاصة وان وزارة المالية تختص بتنظيم الشراء حيث لديها قطاع مختص بشئون التخزين ونظم الشراء ، ومن الواضح من ان المشرع لم يكن تحت نظره القانون رقم (49) لسنة 2016 بشان المناقصات العامة وتعديلاته ، والذي أورد فيه احكام خاصة بإدارة نظم الشراء تتولاها وزارة المالية ، حيث نصت احكام قانون المناقصات العامة بان تتولى وزارة المالية بإصدار تعليماتها الى الجهات المخاطبة بالقانون فيما يخص عمليات الشراء بكافة أنواعها ،وبما لا يتعارض مع مواد القانون ولائحته التنفيذية ، لذلك سقط ذكر قانون المناقصات العامة من توطئة مشروع القانون.
الحساب الختامي
يعتبر الحساب الختامي من اهم الوثائق التي تصدرها الإدارة المالية للدولة، سواء كان ذلك على مستوى الجهات الحكومية او على مستوى الإدارة المالية العامة للدولة ، ورغم تحفظنا الشخصي على ما نص عليه قانون انشاء جهاز المراقبين الماليين رقم (23) لسنة 2015 بان يتم توقيع الحساب الختامي من قبل المراقب المالي المعين بالجهة [25]، وذلك باعتبار ان المراقب المالي ليس هو المعني بإعداد الحساب الختامي ، ولم يشارك فعليا في اعداده حتى يتم التوقيع عليه من قبلة ويتحمل مسئولية ما جاء به ، الا انه لوحظ عدم ذكر لاي دور للمراقب المالي في مشروع القانون ، هذا على الرغم من ذكر قانون انشاء الجهاز في توطئة مشروع القانون .
هذا وقد أضاف مشروع القانون حكما جديدا يستند الى احكام الدستور، وهو تقديم الحكومة إلى مجلس الأمة بيانا عن الحالة المالية للدولة مرة على الأقل خلال كل دور من أدوار الانعقاد العادية[26]، وقد لوحظ إضافة عبارة ضمن الحكم تتعلق بإصدار وزير المالية القواعد اللازمة بشأن البيانات التي يجب تضمينها في البيان، وفي رأينا ان إضافة تلك العبارة تعتبر استزادة ليس لها أساس من احكام الدستور.
الاحكام الخاصة الهيئات والمؤسسات الملحقة والمستقلة
تضمنت الاحكام الغاء الاستثناء الممنوح للهيئات الملحقة الوارد بالقانون الحالي والمتعلق بعدم ترحيل الفائض من نتائج الاعمال الى الاحتياطي العام [27]، كما تم الغاء جوازيه قيام الهيئات بعمل مخصصات واحتياطيات والاقتراض من الحكومة ، ولم يتبين أسباب الغاء المشرع مثل تلك الاحكام ، والتي في راينا كانت تميز ميزانيات الهيئات الملحقة عن ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية وتمنحها مساحة من المرونة الإدارية والمالية ، هذا ولم يرد بمشروع القانون اية احكام انتقالية تعالج التصرف بالمخصصات والاحتياطيات التي قد يكون كونتها الجهات ذات الميزانيات المحلقة قبل إقرار هذا القانون .
الاحكام الخاصة بالاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة
على الرغم من افراد مشروع القانون بابا خاصا للأحكام الخاصة بالاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة، الا ان لوحظ بانه لم يرد ضمن الباب الا حكما واحدا ينص على تخصيص نسبة 10% تقتطع من صافي إيرادات الاحتياطي العام الناتجة عن استثماره وإيرادات الأموال الأخرى المستثمرة تضاف إلى احتياطي الأجيال القادمة[28]، لذا نرى من حيث الشكل العام ان يتم تضمين هذا الباب بكل الاحكام المتعلقة بالاحتياطي العام والواردة في مشروع القانون في مواقع مختلفة ، هذا بالإضافة لوجود ملاحظة بشان تسمية الاحتياطي العام ، حيث لوحظ اضافة كلمة (الخاصة) بعد الاحتياطي العام ولم يتبين أسباب إضافة تلك الكلمة .
الاحكام الختامية
تضمّن مشروع القانون حكما جديدا وهو نشر تقارير اللجنة المختصة بمجلس الامة وتوصياتها للحسابات الختامية والميزانيات الخاضعة لهذا القانون قبل عرضها للتصويت [29]، وفي رأينا ان مثل هذا الحكم قد يحمّل مشروع القانون شبه عدم الدستورية لتعارضه مع مبدا فصل السلطات، حيث ان هذا الموضوع في رأينا هو من اختصاص السلطة التشريعية [30].
كما تضمن أيضا حكما جديدا بان يجوز للجهات الحكومية، بعد موافقة وزير المالية، صرف مستحقات تخص سنوات مالية سابقة على البند والنوع المختص بشرط تقديم الأسباب والمبررات اللازمة[31]، وفي رأينا ان إجازة ذلك يتعارض مع المبادي العامة الواردة بالقانون والمتعلقة بالشمولية والتي نصت بان تشمل الميزانية جميع المصروفات المقدرة ، وتحليلنا لوضع مثل هذا الحكم هو لتلافي الإدارة المالية العامة للدولة رصد مخالفات على مخالفة سنوية الميزانية التي تمثل نسبة كبيرة من مخالفات الجهات الحكومية التي ترصدها الجهات الرقابية والتي تمثل ظاهرة عامة ، ولا أرى ان مثل هذا الاجراء يتسم بالحصافة وذلك لعدم معالجة أسباب بروز مثل هذه الظاهرة بالشكل الصحيح .
[1] المادة رقم (140) من الدستور.
[2] المادة رقم (151) من الدستور.
[3] المادة رقم (1) من مشروع القانون.
[4] المادة رقم (2) من المرسوم بقانون 31 لسنة 1978.
[5] قانون رقم 19 لسنة 2000 في شأن دعم العمالة الوطنية وتشجيعها للعمل في الجهات غير الحكومية
[6] المادة رقم (4) من مشروع القانون.
[7] المادة رقم (98) من الدستور.
[8] المادة رقم (5) من مشروع القانون.
[9] المادة رقم (42) من مشروع القانون.
[10] المادة رقم (7) من مشروع القانون.
[11] المادة رقم (4) من المرسوم بقانون 31 لسنة 1978.
[12] المادة رقم (8) من المرسوم بقانون 31 لسنة 1978.
[13] المادة رقم (12) من القانون 23 لسنة 2015.
[14] المادة رقم (50) من مشروع القانون.
[15] المادة رقم (22) من مشروع القانون.
[16] المادة رقم (27) من مشروع القانون.
[17] المادة رقم (26) من المرسوم بقانون 31 لسنة 1978.
[18] المادة رقم (31) من مشروع القانون.
[19] المادة رقم (32) من مشروع القانون.
[20] المادة رقم (28) من المرسوم بقانون 31 لسنة 1978.
[21] المادة رقم (33) من مشروع القانون.
[22] المادة رقم (37) من مشروع القانون.
[23] المادة رقم (38) من مشروع القانون.
[24] المادة رقم (39) من مشروع القانون.
[25] المادة رقم (12) من القانون 23 لسنة 2015.
[26] المادة رقم (44) من مشروع القانون.
[27] المادة رقم (42) من المرسوم بقانون 31 لسنة 1978.
[28] المادة رقم (58) من مشروع القانون.
[29] المادة رقم (62) من مشروع القانون.
[30] المادة رقم (50) من الدستور.
[31] المادة رقم (64) من مشروع القانون.