الموضوعية مطلوبة في المقترحات التشريعية (قانون انشاء جهاز المراقبين الماليين)

صحيفة الانباء 12 فبراير 2021

https://alanba.com.kw/1023723

العناوين المقترحة:

  • ترجع أسباب رصد الجهات الرقابية للمخالفات الى امرين اما لوجود خلل في التشريع واما نتيجة للممارسات الخاطئة.
  • من الناحية التشريعية التعديلات المقترحة لن تساهم في عدم تكرار جرائم التطاول على المال العام، مثل ما يسمى بـ “صندوق الجيش” و”الصندوق الماليزي“.
  • تراجع الجهاز عن المضي في تطبيق معايير الحوكمة في اجراءاته المتعلقة بشئون التوظف.
  • يتطلب الامر ان تكون هناك قراءة جادة وموضوعية لواقع نظام الرقابة المالية المسبقة.

قدم عدد من نواب مجلس الامة اقتراحاً بقانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم (23) لسنة 2015 بإنشاء جهاز المراقبين الماليين، وحسب ما يراه مقدمو هذا الاقتراح فان هذا التعديل يهدف الى منح جهاز المراقبين الماليين المزيد من الاستقلالية المالية والإدارية لتحقيق رقابة مسبقة فعالة على الأداء المالي للدولة.

وقد سبق ان تم تقديم ذات المقترح في دور الانعقاد السابق لمجلس الامة حيث ابديت حوله رأيي من خلال قراءة تحليلية نشرت في الصحيفة بعددها الصادر في 14 يناير 2020، الا انني رأيت من المناسب ان استذكر بعض هذا الراي ولو بشكل مختصر قدر الإمكان من خلال الإجابة على بعض التساؤلات بشكل موضوعي في هذه المقالة بعد ما تم إعادة تقديم المقترح مرة أخرى.

هل التعديلات المقترحة على القانون ستساهم في زيادة وتطوير مهام واختصاصات جهاز المراقبين الماليين؟ وهل ستحرر التعديلات المقترحة الجهاز من الصعوبات والعراقيل التي تواجهه؟ وهل ستحافظ تلك التعديلات على استقلالية الجهاز الإدارية والمالية على النحو الذي يأمله مقدمي هذا المقترح بقانون؟

بادئ ذي بدء يجب ان نوضح بانه عندما يتم  تطبيق التشريعات التنظيمية وعلى وجه الخصوص التشريعات التي تنظم الشئون المالية بالدولة ،تبرز بشأنها بعض الملاحظات التي تبديها الجهات الرقابية على الجهات الحكومية التي تخضع لرقابتها ،نتيجة لعدم التزام الجهات بتلك التشريعات وذلك لأمرين ، اما لوجود خلل في التشريع وبالتالي يستلزم التدخل لتعديل تلك التشريعات بما يتلاءم مع متطلبات الواقع ، واما يكون نتيجة للممارسة الخاطئة من قبل الجهات الحكومية ، وأيضا هنا يستلزم التدخل لتقويم تلك الممارسات والتصرفات من خلال المحاسبة الجادة للمتسببين بها .

لذا على المشرع عند التفكير باي تعديل تشريعي ان يؤخذ هذه المسالة بعين الاعتبار.

وفيما يتعلق بالتعديلات المقترحة على قانون انشاء جهاز المراقبين الماليين، ففي رأيي ان مثل تلك التعديلات المقترحة غير مرتبطة بالأهداف المزمع تحقيقها والتي أشار اليها مقدمو الاقتراح، فتحديد فترة الخبرة المطلوبة في القياديين بالجهاز هي على مستوى الدولة متحقق في ظل احكام المرسوم بالقانون رقم (15) لسنة 1979 بشأن نظام الخدمة المدنية وتعديلاته والقرارات المنظمة لأحكامه.

اما استقلالية جهاز المراقبين الماليين الإدارية والمالية فهي أيضا متحققة في ظل احكام القانون الحالي، ولا أرى في سلب اختصاصات مجلس الخدمة المدنية في شان تنظيم شئون التوظف بالدولة بما في ذلك سياسة الأجور والمرتبات والمقررة لديوان الخدمة المدنية وفق احكام الدستور والقانون له صلة بالاستقلالية والإدارية، فالأصل ان يقوم المشرع بإلغاء النصوص التي تمنح الجهات تلك الاختصاصات لا تعزيزها، فالجهاز مستقل إداريا من خلال سلطة رئيس الجهاز واللجنة العليا، ومستقل ماليا من خلال الميزانية المستقلة المقررة له سنويا .

وبشأن الرغبة في مد نطاق رقابة الجهاز لكي يسري على الشركات المملوكة للدولة بنسبة 50%، ففي ظل فعالية رقابة ديوان المحاسبة على تلك الشركات. لا يعتبر هذا تطويرا للاختصاصات انما زيادة في نطاق الرقابة.

وفيما يتعلق بمسالة تطبيق الرقابة المالية المسبقة على المكاتب الخارجية التابعة للجهات الحكومية أيا كان نوعها، فالجهاز ملزم بها قانونا في ظل احكام القانون الحالي، وعدم ممارسة الجهاز لهذه الرقابة حتى تاريخه يساءل عنه الجهاز ولا يتطلب تعديلا تشريعيا.

ولم ارى في هذا المقترح من الناحية التشريعية مساهمته في عدم تكرار جرائم التطاول على المال العام، مثل ما حدث فيما يسمى بـ “صندوق الجيش” و”الصندوق الماليزي” حسب ما يعتقده مقدمو الاقتراح.

كما ان انشاء لجنة للتظلمات متحقق من خلال لجنة “شئون المراقبين الماليين” المنصوص عليها باللائحة التنفيذية ولذات الأغراض الواردة بالمقترح، وان اقتراح الاستعانة بأعضاء باللجنة من خارج الجهاز يعتبر في رأيي تدخل في استقلالية الجهاز، خاصة في ظل وجود آليات ونظم متعلقة بالبت بالاختلافات في وجهات النظر، إما من خلال استفتاء ادارة الفتوى والتشريع او البت من قبل لجنة الحسم بمجلس الوزراء.

هذا وان النص بالتعديل على عدم عزل القائمين على الوظائف القيادية وتنظيم ذلك، فهذا التعديل أيضا ليس موضوعيا لان الهدف من التعديل متحقق في ظل احكام نظام الخدمة المدنية والتي خصت مجلس الخدمة المدنية والمكون من الوزراء المعنيين بتأديب شاغلي الوظائف القيادية ومنها الفصل من الخدمة.

فان كان هناك تعديل مستحق فالأجدر ان يحقق هذا التعديل معايير الحوكمة في كثير من الجوانب ومن أهمها اختيار القياديين والاشرافيين، وتحديد نظم الترقيات والتقييم بالجهاز، والتي يجب ان تعتمد على معايير الكفاءة والجدارة والاستحقاق كما هو معمول به بديوان المحاسبة والذي يطالب الجهاز ذات المعاملة للديوان ،علما بان الجهاز يطبق ذات الكادر الى حد كبير.

وتجدر الاشارة بان وزارة المالية طبقت معايير شغل الوظائف الاشرافية بمعايير أفضل شفافية مما اقرته اللجنة العليا بالجهاز مؤخرا والتي يرأسها ذات الوزير، حيث لوحظ تراجع الجهاز عن المضي في تطبيق معايير الحوكمة في المفاضلة في الاختيار بالوظائف الاشرافية والترقيات والتقييم السنوي والتي رسخها الجهاز واعتمد استراتيجيتها في بداية انشاءه دون وجود أي مبررات موضوعية لهذا التراجع.

وعلى ما سبق ذكره نرجع الى تساؤلنا الأساسي، هل يوجد خلل في التشريع وبالتالي يستلزم التدخل على النحو المقترح من أعضاء مجلس الامة؟  

انطلاقا من واقع خبرتي في هذا المجال والتي تشرفت بان أكون أحد مؤسسي نظام الرقابة المالية المسبقة بدولة الكويت، وبصفتي المسئول السابق عن القطاع المعني بوزارة المالية الذي ابدى رايه الإيجابي على مقترح بقانون بإنشاء جهاز للمراقبين الماليين في ذلك الوقت، ومع تقديري واحترامي لمقدمي هذا التعديل، الا ان في رأيي انهم لم يتلمّسوا مكامن الخلل الموضوعية فيما يواجه نظام الرقابة المالية المسبقة في الدولة سواء كانت مكامن الخلل في التشريع ام في التطبيق.

لذا يتطلب الامر ان تكون هناك قراءة جادة وموضوعية لواقع نظام الرقابة المالية المسبقة انطلاقا من رؤية المشرع تاريخيا للنظام وما كان مأمول منه، ومرورا بنتائج تطبيقه على ارض الواقع على مدى تقريبا 3 عقود من الزمن، ودراسة التحديات التي واجهته، وصولا الى التشخيص الصحيح لما يتطلبه النظام من تطوير، سواء كان من الجانب التشريعي او الجانب التطبيقي.

ملاحظة: لمعرفة المزيد عن الراي الفني لهذا الموضوع يمكن الرجوع الى “القراءة تحليلية لاقتراح تعديل القانون رقم 23 لسنة 2015 بشأن إنشاء الجهاز” https://www.alanba.com.kw/945695

نُشر بواسطة bader alhammad

من مواليد الكويت عام 1964 ، حاصل على الاجازة الجامعية في تخصص المحاسبة عام 1988 بتقدير جيد جدا . بدء عمله في ذات العام بوظيفة محاسب بوزارة المالية وتدرج في المناصب الاشرافية كرئيس قسم التوجيه المحاسبي ثم مراقب مالي ثم مديرا لإدارة الرقابة المالية الى ان صدر به مرسوم اميري عام 2013 بتعينه وكيل مساعد بوزارة المالية حيث شغل منصب الوكيل المساعد لشئون الرقابة المالية . ثم عين بمرسوم اميري رئيسا لقطاع الرقابة المالية بجهاز المراقبين الماليين عند انشاءه في عام 2015 حيث شغل منصب رئيس قطاع الرقابة المالية للهيئات الملحقة والمؤسسات المستقلة خلال الفترة من عام 2016 حتى عام 2018، ومن ثم شغل منصب رئيس قطاع الرقابة المالية للوزارات والإدارات الحكومية في أكتوبر 2018 ، وبالإضافة الى عملة كلف بمنصب نائب رئيس الجهاز بالوكالة في نهاية ديسمبر 2018 حتى نوفمبر 2019.، وحاليا كاتب رأي ومتخصص في شئون المالية العامة في صحيفة الانباء الكويتية. كما شغل العديد من المناصب الأخرى محليا وخارجيا فكان عضو مجلس إدارة بنك الائتمان الكويتي، وعضو مجلس المدراء التنفيذيين للبنك الإسلامي للتنمية IDB و مجلس المديرين التنفيذيين لصندوق التضامن الاسلامي ISFD و مجلس المديرين التنفيذيين للمؤسسة الاسلامية لتامين الاستثمار وائتمان الصادرات ICIEC . هذا وقد شارك في العديد من اللجان منها الإدارية والفنية ولجان تقصي الحقائق و التحقيق محليا وخارجيا ، وله العديد من الآراء والاجتهادات الفنية التي اثرى بها العمل في مجال الرقابة المالية باعتباره احد مؤسسي نظام الرقابة المالية المسبقة بدولة الكويت ، وقد اصدر له جهاز المراقبين الماليين كتابه الأول في عام 2017 بعنوان ( بعض المسائل الفنية في قضايا الرقابة المالية ).

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: