صحيفة الانباء 16 سبتمبر 2020
عندما شدد سمو رئيس مجلس الوزراء في لقاء سابق مع رؤساء وممثلي الأجهزة الرقابة الحكومية، على اتخاذ خطوات حقيقية وجادة لاستئصال منابع الفساد بالدولة، وتأكيده بان مثل تلك الخطوات لا تأتي الا من خلال العمل كفريق حكومي واحد وبتعاون تلك الجهات، مع الاخذ بعين الاعتبار الاستقلالية التي منحها القانون لتلك الجهات الرقابية، كان لمثل هذا اللقاء مدلولات واضحة عن مدى الاستياء الرسمي والشعبي من مسالة الفساد المتفشّي بالدولة.
ويأتي لقاه سمو رئيس مجلس الوزراء هذا في ظل التوجيهات السامية لسمو الأمير شافاه الله، والمتعلقة بحماية المال العام ومكافحة الفساد وفرض هيبة القانون، وفي ظل أيضا ازدياد حجم المخالفات التي ترصدها الجهات الرقابية رغم تعددها.
والفساد كظاهرة لم يعد نطاق أثرها محليا، بلى تعدت آثارها هذا النطاق لتكون على مستوى دولي، خاصة فيما يتعلق بجريمة غسيل الأموال والاتجار البشر، الامر الذي بلا شك سينعكس سلبا على سمعة الكويت في المحافل الدولية، لذلك أصبحت قضية محاربة مثل هذا النوع من الفساد وصوره المتعددة مسئولية وطنية بالدرجة الاولى.
والان في ظل تلك التوجيهات السامية، وفي ظل تحرك الحكومة في تنفيذ تلك التوجيهات، والتي بدأت باللقاء الموسع مع الأجهزة الرقابية الحكومية، فعلى الأجهزة الرقابية بان تعيد صياغة استراتيجيتها بما يتسق مع تلك التوجيهات، ويكون ذلك من خلال العمل بعدة مسارات مختلفة في آن واحد.
فمن المفترض بعد اللقاء المذكور والذي عقد في التاسع من شهر يوليو 2020، ان تتخذ الجهات الرقابية التي شاركت في هذا اللقاء خطوات تنفيذية جادة تجاه مكافحة الفساد، منها ما يتعلق بتفعيل ادواتها الرقابية التي تملكها بموجب قوانين انشاءها، ومنها ما يتعلق بتفعيل سبل التعاون بين الأجهزة الرقابية في القضايا الرقابية المشتركة، وذلك من خلال إنشاء منصة لذلك وفق مذكرات تفاهم بين تلك الأجهزة.
ولعل الاتجاه بإنشاء مثل تلك المنصة قد جاء بقرار مجلس الوزراء الذي عقد مؤخرا، والقاضي بشكيل لجنة عليا برئاسة سمو رئيس مجلس الوزراء وعضوية الأجهزة والجهات الرقابية الحكومية، لتتولى دعم جهود تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، وتفعيل التعاون والتنسيق والتكامل بين الأجهزة الرقابية.
وعلى الرغم من تعدد التشريعات المتعلقة بالأجهزة الرقابية والتي يفترض بها ان تحقق التكامل فيما بينهما، الا انه لا يوجد أي موانع من قيام الجهات الرقابية بدراسة تشريعاتها وإعادة النظر فيها إذا استلزم الامر ذلك، بهدف سد الثغرات فيها، وبما يتناسب مع متطلبات الدولة الحالية في محاربة الفساد، ويمكن ان تتخذ الجهات الرقابية أيضا الخطوات التنفيذية مباشرة ودون تأخير إذا لم يستلزم الامر تعديل تلك التشريعات بقوانين، كالمراسيم والقرارات والتعاميم واللوائح التي تنظم آليات العمل.
فعلى سبيل المثال لا الحصر فجهاز المراقبين الماليين يعتبر أحد الأجهزة الرقابية التي تعنى بتحقيق الرقابةٍ المالية المسبقةٍ على الأداء المالي للدولة، كما يستهدف الجهاز الى ضمان الشفافية والنزاهة والوضوح في الأداء المالي العام، وتعزيز المصداقية والثقة بالإجراءات المالية، وذلك من خلال التأكد من مدى مطابقة الأداء المالي للقوانين والأنظمة واللوائح والتعاميم والقرارات المنظمة لها.
فرقابة الجهاز المسبقة والتي تسمى (الرقابة المانعة / الوقائية)، تلزمه بالتحقق من مدى اتساق التصرفات المالية بالجهات والمؤسسات للقوانين والقرارات والتعليمات المالية، ومدى استيفاءها للمستندات المؤيدة لها، كما تلزمه بالامتناع عن إجازة أي من التصرفات المالية في حال عدم اتساقها للقوانين والقرارات والتعليمات المالية، الا بتوقيع الوزير او رئيس الجهة وعلى مسئوليته السياسية والقانونية.
وقد أصدر جهاز المراقبين الماليين تعميما في شأن الاجراءات الخاصة بتنفيذ احكام المادة 14 من القانون رقم 23 لسنة 2015 المتعلقة بالامتناع عن توقيع الاستمارة (التصرفات المالية)، وقد حدد التعميم الحالات التي يمتنع المراقب المالي عن اجازتها وحصرها بـ 20 حالة.
ووفقا للتشريعات التي تنظم عمل جهاز المراقبين الماليين، فانه يملك بان يصدر تعديلا بكل يسر على هذا التعميم، بحيث يتم إضافة حالة ضمن حالات الامتناع، والتي تخول المراقب المالي بالامتناع عن اعتماد أي تصرف مالي يتعلق بعقود الخدمات في حال عدم تقديم الشركات والمقاولين ما يثبت تحويل رواتب عمالتها للبنوك، وبان تكون العمالة على إقامة تلك الشركات والمقاولين، علما بان تلك الاشتراطات هي أصلا ترد ضمن وثائق المناقصات والممارسات الحكومية.
فعلى الرغم من ان هذا التعديل الاجرائي يعتبر بسيط في تنفيذه، الا انه يعتبر كبير في أثره واهميته، فهذا التعديل الاجرائي الرقابي كفيل في المساهمة بالحد من سبل الاتجار بالبشر، كما انه له انعكاسات ودلالات دولية على جدية الدولة في مكافحة الاتجار بالبشر.
ختاما نؤكد على انه يمكن للجهات الرقابية ان تلعب دورا محوريا في مسالة مكافحة الاتجار بالبشر من خلال إعادة صياغة آليات عملها بما يخدم هذا الهدف.