صحيفة الانباء 28 يونيو 2020
العناوين الرئيسية:
- ديوان المحاسبة يرى وجود شبهة عدم دستورية بإنشاء جهاز مستقل للمراقبين الماليين لمخالفته حكم المادة 151 من الدستور.
- اللجنة التشريعية بمجلس الأمة بتاريخ 13/2/2014 رأت أن اقتراح إنشاء الجهاز يعتبر جيداً ولا يشوبه شبهة عدم الدستورية.
في دراسة خاصة قد اعددتها تتعلق بإنشاء جهاز للمراقبين الماليين الصادر بالقانون رقم 23 لسنة 2015 ، والجدل الكبير الذي اثير بشان مدى دستورية انشاء جهاز للمراقبين الماليين في ظل وجود جهاز رقابي اخر ممثلا بديوان المحاسبة الصادر بموجب القانون رقم 30 لسنة 1964 وتعديلاته.
هذا الجدل الذي تمثل في راي ديوان المحاسبة الموجه الى سمو رئيس مجلس الوزراء حين ذاك حيث وضّح الديوان وجهة نظره القانونية في شان مقترح القانون ، وقد تم الإشارة الى وجهة النظر تلك خلال جلسة مجلس الامة والتي اقر بها القانون ، وقد بنى الديوان رايه في ضوء ما توافرت لديه من معلومات عن مقترح بقانون انشاء جهاز مستقل للمراقبين الماليين يتبع مجلس الوزراء ( المقترح الاولي تبعية الجهاز لمجلس الوزراء ) ، من ان المقترح يثير شبه عدم دستورية القانون، وقد تناول الديوان رايه في هذا الشأن في عدة جوانب تتعلق بالمقترح.
وحيث ان ما جاء براي ديوان المحاسبة في شان شبه عدم الدستورية لم يُنصَف من حيث تناول ما جاء به واعطاءه حقه من حيث الدراسة والبحث والتعقيب على ما تضمنه من مبررات قانونية وفنية ، لذا فإننا من هذا المنطلق نرى من المناسب بان يتم تناول هذا الراي والتعقيب عليه من نظرة متخصصة في هذا الجانب .
يرى الديوان من ان انشاء جهاز مستقل للمراقبين الماليين يخالف حكم المادة 151 من الدستور والتي تنص على انه (ينشا بقانون ديوان للمراقبة المالية يكفل القانون استقلاله، ويكون ملحقا بمجلس الأمة ويعاون الحكومة ومجلس الأمة في رقابة تحصيل ايرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها في حدود الميزانية ويقدم الديوان لكل من الحكومة ومجلس الامه تقريرا سنويا عن أعماله وملاحظاته)، وانه يخالف ما استقر عليه القضاء الدستوري.
كما يرى الديوان انه يختص دون غيره بممارسة الرقابة المالية ، و ان دور المراقبين الماليين وفقا للمرسوم بقانون 31 لسنة 1978 بشأن اعداد الميزانيات العامة هو يقتصر على متابعة تنفيذ الميزانيات العامة ومراقبة الإيرادات والمصروفات.
هذا ودلل الديوان بما انتهت اليه اللجنة التشريعية بمجلس الامة بتاريخ 4/5/2010 من راي على عدم الموافقة على الاقتراح بقانون بإنشاء جهاز للرقابة المالية ، والذي يسلب الديوان دوره ويلحقه بالسلطة التنفيذية بدلا من السلطة التشريعية، كما عقب الديوان على تقرير اللجنة التشريعية المؤرخ في 13/2/2014 بشأن اقتراح بإنشاء جهاز المراقبين الماليين وما تضمنه من ان الاقتراح جيد ولا يشوبه شبة عدم الدستورية ، الا ان اللجنة لم تذكر اسانيد انتفاء شبهة عدم الدستورية ، مما يوجب عدم الاخذ بهذا الراي والاخذ بالراي السابق للجنة.
و اعتبر الديوان بان ما ورد بنص المقترح في المادتين (10،9) من تكليف مجلس الوزراء للجهاز لرقابة اية جهة أخرى او عمل يرى المجلس ضرورة الرقابة عليها، يعتبر مساسا باستقلالية ديوان المحاسبة وتدخلا في اختصاصاته وذلك في حال اختلاف التقرير السنوي للجهاز عما ورد بالتقرير السنوي للديوان.
وردا على راي ديوان المحاسبة هذا ، فانه على الرغم من ان قانون انشاء جهاز المراقبين رقم 23 لسنة 2015 قد صدر ونص بان الجهاز يتبع وزير المالية بموجب المادة 2 من القانون ، وليس كما ورد مقترح القانون بتبعية لمجلس الوزراء، الا ان موضوع التبعية لن يغير من الامر شيء وفقا لما أورده الديوان في هذا الشأن لعدة أسباب .
فهناك جوانب تاريخية التي ارتبطت بنشأة جهاز المراقبين الماليين، فقد جاءت التشريعات المنظمة للشئون المالية بالدولة لتحقق التكامل في تنظيم نشاط الرقابة بوجه عام والرقابة المالية بوجه خاص ، فلو نظرنا الى الجانب التاريخي في هذا الامر للمسنا هذا التكامل بشكل جلي ، فقبل صدور دستور دولة الكويت في عام 1962 صدر المرسوم بقانون رقم 1 لسنة 1960 بقواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي ، وهو يعد اللبنة الأولي في تنظيم العمل المالي للدولة وقد تناول جوانب عديدة في هذا الشأن ، فقد أشارت المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون بأن الباب لا يزال مفتوحا في التفكير بإنشاء ديوان محاسبة ، وللتفكير أيضا في تنظيم مراقبه مالية قبل الصرف .
ويلاحظ من ان رؤية المشرع في ذلك الوقت بان يكون هناك نوعين من الرقابة المالية منها ما هو مناط بديوان المحاسبة ومنها ما يتعلق بنظام الرقابة المالية قبل الصرف ، وبصدور دستور دولة الكويت في عام 1962 اصبحت الجوانب المالية بالدولة أكثر تنظيما، حيث افرد المشرع فرعا متكاملا في ضمن الفصل الرابع ( السلطة التنفيذية ) في هذا الشأن، وقد تناولت عدة موضوعات منها ما نصت عليه المادة 151 ( ينشا بقانون ديوان للمراقبة المالية يكفل القانون استقلاله ، ويكون ملحقا بمجلس الامة ، ….. ) .
ومن الملاحظ أيضا بان المشرع نظم انشاء ديوان للمراقبة المالية ، وقد تم ترجمة ذلك بصدور القانون رقم 30 لسنة 1964 بإنشاء ديوان المحاسبة ، وبموجب هذا القانون تم تعيين اهداف واختصاصات ديوان المحاسبة على وجه التحديد، وبالتالي تم تنفيذ رؤية المشرع بالمرسوم بقانون رقم 1 لسنة 1960 بشأن انشاء ديوان محاسبة.
هذا وظل موضوع تنظيم الرقابة قبل الصرف دون تشريع على الرغم من موافقة مجلس الوزراء على توصيات مجلس الامة القاضية بإلحاق رؤساء حسابات في كل الوزارات والمصالح الحكومية بوزارة المالية والصناعة حين ذاك ، علما بان موافقة مجلس الوزراء قد جاءت قبل صدور قانون انشاء ديوان المحاسبة ، ويرجع التأخير في صدور القانون الى الاختلاف في وجهات النظر بين الجهات المعنية بشان تضمين مشروع قانون بقواعد إعداد الميزانيات العامة للدولة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي تفصيل لاختصاصات المراقبين الماليين ، وفي نهاية المطاف صدر المرسوم بقانون 31 لسنة 1978 بقواعد اعداد الميزانيات العامة والرقابة عليها والحساب الختامي ، وقد تضمن مواد خاصة بتعيين مراقبين ماليين ورؤساء حسابات بالجهات الحكومية دون الاشارة الى اختصاصاتهم ، وانما اوكل القانون لمجلس الوزراء تحديد تلك الاختصاصات وتبعيتهم.
ان للسرد التاريخي الذي اشرنا اليه والمتعلق بنشأة نظام الرقابة المالية مغزى يتعلق بالتأكيد على مدى دستورية القانون ، وهذا ما سنبينه في الجزء الثاني للموضوع .