رحلة إلى بلاد الإندوس

(موضوع من الماضي)صحيفة الأنباء 1 سبتمبر 2018

https://alanba.com.kw/853249

كان قراري السفر الى الهند قرارا سريعا، لكن لم يكن مفاجئا، كم كنت أتمنى ان أزور هذا البلد العظيم في عراقته وثقافته المتعددة، ان فكرة السفر كانت مخططا لها قبل عقد ونيف من الزمن، وعلى وجه التحديد بعد زيارتي الى «دمعة الهند» كما يطلق عليها وهي سريلانكا في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وقد سبق ان كتبت عن تلك الزيارة في صحيفتي «الأنباء»، ويرجع الفضل في هذه الزيارة الى الصديق القديم من بلاد الهند والمقيم بدولة الكويت سانجي جواتم والذي تربطني به صداقة منذ ما يزيد على 15 عاما، وقد ساهمت مرافقته في محاكاة تاريخ الهند القديم نظرا لغزارة معرفته نتيجة شغفه بالقراءة خاصة كتب التاريخ، وقد انتهزت عطلة عيد الأضحى الطويلة لأقضيها بعيدا عن أجواء العمل رغبة في راحة الذهن والبدن.

هي جمهورية الهند، وقد اشتق اسم الهند من كلمة «اندوس»، او كما تسمى رسميا وفقا للدستور الهندي باسم «بهرات» والمشتق من اسم لملك هندي أسطوري يحمل الاسم ذاته، فالهند هي بلد العراقة وبلد الحضارة والغني بموارده البشرية على وجه التحديد، وقد فاق عدد سكانه 1.2 مليار نسمة على بقعة من الأرض تزيد مساحتها على 3.2 ملايين كلم مربع، فالهند بلد التعددية؛ فدياناتها وثقافاتها ولغاتها متنوعة وغنية، فالهند هي الأكبر عالميا تعددية ديانة وثقافة ولغة من حيث البقعة الجغرافية، وعلى الرغم من التعددية الا انها استطاعت ان تحافظ على الانسجام التعددي في الديانات والثقافات واللغات، كما نجحت في الحفاظ على تقاليدها العريقة رغم تأثرها بالعادات والتقاليد والأفكار من الثقافات الخارجية نتيجة للاحتكاك بها سواء من المهاجرين او المستعمرين.

وقد ساهم في وجود هذه التعددية رقعتها المساحية الكبيرة والتي اطلق عليها شبه القارة الهندية، وكذلك امتدادها البحري ما بين بحر العرب والمحيط الهندي وخليج البنغال، ومتاخمتها لسلسة جبال الهملايا مع جارتها الصين، ومن موقع الهند المميز الذي يعتبر طريق التجارة بين الشرق والغرب ساهم بشكل كبير في نقل الديانات والثقافات المتنوعة منها واليها، وقد نال الثقافة العربية ما نال الثقافات الأخرى من التأثر والتأثير ببلاد الهند قديما وحديثا.

وقد وصفها الشاعر خليل مطران في شعر له بعنوان «هند» بأبياته الجميلة والتي تقول:

يا هند لم يخطئ ابوك الحزم حين دعاك هندا

سماك باسم كاد يدركه التقادم فاستجدا

دعيت بنات العرب من قدم ومجدن مجدا

ما الهند إلا روضة كانت لأرقى الخلق مهدا

وطن الرؤى ابد الابيد ومعهد الأنوار عهدا

كما أطلق العرب على السيف المطبوع من حديد الهند اسم «مهند»، ونرى في بيت من قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير يصف الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:

ان الرسول لسيف يستضاء به

مهند من سيوف الله مسلول

مومباي

حط الطائر الأزرق شركة الخطوط الجوية الكويتية برحلتها رقم (303 UK) الى محطتي الأولى مومباي مدينة التناقضات، واطلق على المدينة العديد من الأسماء كبوابة الهند وارض التوابل وغيرها من الأسماء، هي مومباي ذات الـ 20 مليون نسمة تقريبا، هي المدينة الأولى بالهند والمركز الثقافي والاقتصادي، تطل بسحرها على ساحل بحر العرب، نعم مدينة التناقضات فيمكنك ان تنطلق من ادنى درجات الفقر الى اعلى درجات الفحش في الثراء، ومن ادنى واسوأ معايير السكن في ازقة المدينة القديمة الهندية الى البذخ في مستوى معايير السكن في الفلل والقصور الضخمة التي يسكنها الأغنياء والمشاهير، كما ترى في المدينة ادنى درجات الجهل والتخلف، الا ان هناك نخبة من ابناء المدينة من علماء فضاء والطب والعلوم المختلفة.

نعم لقد تلمست هذا التناقض، فزيارتي لمؤسسة (The Vastalya) الخيرية التي تعنى برعاية الأطفال التي تتراوح أعمارهم ما بين السابعة والسابعة عشرة ممن ساهمت ظروف معيشتهم المضطربة الى الهرب من المنازل والعيش في الشوارع، تعكس واقع الحال لما تعانيه العديد من الأسر الهندية الفقيرة، ومشاهدتي الى اغلى منزل بالعالم الذي بناه الملياردير الهندي موكيش امباني والذي تبلغ تكلفته ما يزيد على مليار دولار أيضا تعكس واقع الحال لحياه البذخ الذي يعيشه عدد ليس بالبسيط في الهند.

وتعتبر مومباي من اهم الموانئ الهندية، وتعتبر المدخل الرئيسي للهند منذ وقت طويل والتي جعلها من اهم المدن الاقتصادية، ومنذ قرون كانت التوابل هي العصب الاقتصادي للهند وعلى وجه التحديد الفلفل الأسود، وكانت تسمى الهند قديما ارض التوابل، وجوهر الطعام الهندي مكنونه في التوابل الهندية المستخدمة فيه، ويطلق على البهارات في اللغة الإنجليزية (SPICE) وهي مشتقة من اللاتينية وتعني الشيء المميز والقيم.

وبالفعل، فقديما كانت التوابل وعلى وجه التحديد الفلفل الأسود تضاهي قيمتها الذهب، وكانت التوابل محط انظار واهتمام كل من العرب والاوروبيين على مر التاريخ، وبخلاف استخدامات الطهي يستخدم الهنود التوابل في نظام ايورفيدا الطبي القديم (علم الحياة) كميات كبيرة من التوابل ضمن الطب الوقائي والعلاجي. ولمركبات أيورفيدا أهمية للوقاية من الأمراض وقد استخدمت توابل أساسية لتحقيق هذا الهدف.

ودخلت مصادر التوابل في الصراعات السياسية تاريخيا للسيطرة على تلك التجارة الناشئة ونشبت الحرب بين البلدان الأوربية حول جزر التوابل الإندونيسية ودخلت إسبانيا وإنجلترا والبرتغال وهولندا كأطراف في ذلك الصراع، وتمكنت بريطانيا من السيطرة على تجارة التوابل في الهند عن طريق الشركة البريطانية الهندية، كما دخل الأميركيون بدورهم أيضا كطرف مهم في مجال تجارة التوابل، وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية حاليا أكبر مستوردي التوابل في العالم تليها ألمانيا واليابان وفرنسا.

وبسبب موقع مومباي الساحلي فقد تأثرت ثقافة سكانها بثقافة مرتاديها من التجار والمهتمين بها سواء من العرب او الاوروبيين كالبرتغاليين، والهولنديين، او من الشرق كالصينيين واليابانيين، وبشكل عام فإنها من أهم المدن الحديثة والمتقدمة والمعاصرة، مع العلم أنها تتميز بعادات وتقاليد وثقافات عريقة ومتنوعة والتي تعكس شكلا من أشكال التسامح.

وقد اكتشفت من زيارتي تلك من ان مدينة مومباي مدينة نابضة بالحياة نظرا لموقعها المميز حيث تقع على الساحل الغربي، فالمدينة تلقي بظلالها على زائرها بشكل واضح، من حيث الطاقة والحيوية التي تتمتع به المدينة بشكل مستمر، فمومباي وجهة جميع الهنود بحثا عن مستقبل أفضل لتحقيق أحلامهم وتطلعاتهم، لذلك يترك الناس بدورهم بصمات دائمة على ثقافة المدينة، ولعل العبارة التي سمعتها من احد المرافقين لي خلال تلك الزيارة من انه اذا كان قد هاجر مليون هندي من المدن الهندية المختلفة الى مومباي فإن ذلك يعني ان هناك مليون قصة أضيفت للمدينة تحكي عن حياة هؤلاء المهاجرين، وهذا ما يتلمسه الزائر من المواطن الهندي اذا تعايش معه عن قرب.

ولم تكن مومباي وجهة الهنود فقط وانما وجهة الناس جميعا بحثا عن تطلعات خاصة لهم، لذلك هناك بصمات واضحة لمثل هؤلاء الناس في جوانب متعددة في حياة المدن الهندية ظلت ممتدة على مر تلك السنين، ومن تلك البصمات ما استوقفني عند مروري بشارع محمد علي والذي يطلق عليه «عقد الملكة» بسبب تشبيه شكل الشارع الساحلي المنحني كالقوس والذي تنيره انارات صفراء والتي يشكل منظرها مساء بما يشبه العقد ذهبي، استوقفني في هذا الشارع عمارة كتب عليها عمارة الجابرية (AL-JABRIAH COURT) وعمارة الصباح (AL-SABAH COURT)، تلك المباني التي تجسد مدى تأثر الهند ومدينة مومباي بزائريها الكويتيين من مختلف التطلعات، لذلك الذي يطلع على التاريخ فسيدرك ان تلك المدينة استطاعت ان تحتوي الناس بكافة أعراقهم ولغاتهم ومشاربهم فأصبحت المدينة بمنزلة البيت الكبير لهم، وهذا ما تمت مشاهدته من زياراتي لدور العبادة المختلفة كمسجد الحاج علي بخاري الذي تم تشيده على البحر، وكاتدرائية سنت تومس والمعبد اليهودي شار هاراهمين، وعدد من المعابد الهندوسية.

الهند بلد الفن العريق

طبيعة وثقافة الهند جعلت الفن الهندي مميزا، لذا فالفن الهندي معبر بشكل صادق عما يعكسه المجتمع الهندي وثقافته، فالفن الهندي ملهم ويثير لهيب المشاعر والأحاسيس، فمجتمعنا الخليجي تأثر بشكل كبير في هذا الفن ولعل قرب مجتمعنا الجغرافي وتأثير ما نقله لنا الاحتكاك التجاري بين الهند ودول الخليج وعلى وجه التحديد المجتمع الكويتي، فنلاحظ القصص التي تروى من خلال فن صناعة الأفلام الهندية تعكس الواقع الاجتماعي الحقيقي لما يعيشه المجتمع الهندي، فامتازت تلك الصناعة وضاهت نظيرتها الغربية وسميت بـ Bollywood قياسا بـ Hollywood الأميركية، واسم بوليوود مؤلف من بومباي (الاسم السابق لمومباي) وهوليوود الأميركية.

والمجتمع الكويتي وانا شخصيا، تأثرت بشكل كبير في صغري بالثقافة الهندية من باب السينما الهندية، وكان جيلي في الزمن الجميل من عشاق الأفلام الهندية الكلاسيكية والتي تتميز بالرومانسية وعنصر التشويق ولا أتصور احدا كان يحضر مثل تلك الأفلام ولا تذرف عيناه دمعة من شدة التأثر ومحاكاة للواقع، وحظيت السينما الهندية عند الكويتيين في تلك الفترة بمكانة خاصة مقارنة بالسينما الغربية، واهتمام لا مثيل له، فالأفلام الهندية لها مكانتها ورونقها المميز عند المشاهد الكويتي، وأتذكر من اشهر الأفلام الهندية التي كانت تعرض في سينما الفردوس في منطقة شرق والتي تخصص فقط للأفلام الهندية، فلم «سنغام» بطولة الممثل راج كابور وفيلم «شعلة» بطولة الممثلة هيما ماليني وأميتاب باتشان قيصر السينما الهندية.

مدينة البحيرات

مدينة اودايبور مرآة عاكسة لتاريخ الهند (او مدينة البحيرات) كما تعرف في ولاية راجستان الهندية وكانت محطتي الثانية في هذه الرحلة، وتعرف المدينة بانها اكثر المدن رومانسية في قارة الهند، حيث تعد وجهة سياحية شهيرة وتشتهر بتاريخها العريق وثقافتها المميزة وقصورها الخلابة، وقد اطلق عليها فينيسيا الشرق بسبب تميزها ببحيراتها الخلابة التي تطل عليها القصور الملكية ومبان عريقة تحكي تاريخ هذه المدينة والتي تعتبر جوهرة المملكة التي حكمتها سلالة «ميوار» المالكة وهي اقدم الأسر الحاكمة في العالم.

وتاريخ المدينة يعكس الحالة السياسية للهند ما قبل القرن العشرين حيث تسيطر على الأراضي الهندية عدد من الممالك الهندية، فمدينة اودايبور تمثل نموذجا حقيقيا لما كانت عليه الممالك الأخرى الهندية، ويطلق على حاكم المملكة «مهرانا» والتي تعني المحارب الشجاع، ومن اشهرهم المهرانا براتاب الذي نجح في مقاومة الإمبراطور المغولي «أكبار» بالسيطرة على مملكته الوالده، وعرف بأنه محارب شجاع رفض أن يخضع للغزو المغولي.

كما يعكس تاريخ المدينة طبيعة الحياة التي كانت تعيشها السلالات الحاكمة في الهند من رفاهية في غاية البذخ من خلال القصور التي شيدتها تلك السلالات، ومن اشهرها القصر الصيفي للمهرانا المشيد وسط بحيرة بيكولا والذي شيد قبل 250 عاما ويعد رمز الفخامة الهندية وتم تحويله الى فندق من سلسلة فنادق «تاج»، وجذب الفندق العديد من الشخصيات كالملكة إليزابيث الثانية وملك المغرب وجاكلين كيندي وشاه إيران، كما كان القصر مسرحا لصناع السينما العالمية ومن اشهر الأفلام التي صورت مشاهده فيه فيلم «أوكتوبوسي» بطولة الممثل روجر مور عام 1983.

وقد انتهزت فرصة وجودي بالمدينة وأقمت في هذا الفندق القصر والذي يأخذك في حلم يعود بك الى ذلك العهد خاصة بأسلوب إدارة الفندق للقصر بحيث يتم محاكاة طريقة الإقامة في هذا القصر، فالبرنامج اليومي الذي ينظمه الفندق للمقيمين به يتضمن ما كان عليه العيش في هذا القصر، فهناك الغناء والرقص الفلكلوري الهندي يقام يوميا مساء في باحة القصر الرئيسية، وعازف الناي والكمان يطرب اذان النزلاء من على الشرفة العلوية للقصر، كما يتناول النزلاء العشاء على انغام العزف على آلة «السيتار» الشهيرة، ومن اجمل ما يتمتع به الساكن هو الرحلة على القارب لمشاهدة منظر غروب الشمس التي تختبئ خلف الجبال التي تحيط بالمدينة.

وكما أسلفنا ان المدينة تعتبرا نموذجا للحالة السياسية للهند ما قبل القرن العشرين ممثلة بنظام الحكم الملكي فإن الحفاظ على المملكة يستلزم توفير اقصى درجات الحماية من الغزاة، لذلك تكثر القلاع المحصنة لردّ اي هجوم محتمل، ولعل من اعظم الحصون في إقليم راجستان هو حصن «كومبالغار» والذي شيد في منتصف القرن الرابع عشر ويعتبر سوره ثاني أطول سور بالعالم بعد سور الصين العظيم حيث يبلغ طوله 36 كيلومترا الا انه لم يحظ بالشهرة الكافية رغم عظمته.

الهند الصغيرة «دلهي»

هكذا تسمى دلهي بالهند الصغيرة لأنها تحوي الكثير من العادات والتقاليد وتنوع الديانات والثقافات، دلهي كانت محطتي الثالثة والأخير في رحلتي، وهي ثاني أكبر مدينة هندية بعد مومباي، هي عاصمة الهند ومدينة السلطات الإدارية للدولة، وتم الاختلاف على اصل تسميتها فسماها الفرس والعرب «دهلي»، وسماها الإنجليز بالتسمية الحالية «دلهي».

دلهي عريقة التاريخ فهي مزيج بين التاريخ القديم والحديث ويلاحظ ذلك من خلال مبانيها المميزة، وتعتز المدينة بعراقتها التاريخية والتي تمتد لما قبل زمن المغول، وقد حافظت دلهي على رونقها التاريخي رغم الحداثة والتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وقد توالى على حكم دلهي عدة اسر حاكمة بين القرن الثالث عشر والقرن السابع عشر، إلى أن جاء المستعمرون الانجليز الى المدينة في العصر الحديث، حيث من قام بتأسيسها معماريان مشهوران في ذلك العصر هما Sir Edwin Lutyens وSir Herbert Baker عام 1911.

تاج محل

من يزور دلهي ولا يعرج على تاج محل فقد أضاع عليه فرصة للتعرف على تجسيد حقيقي لمعنى الحب ومعنى التعايش الديني، فتاج محل الذي شيده الامبراطور المغولي المسلم شاه جهان في منتصف القرن السادس عشر ليكون ضريحا لزوجته ومحبوبته ممتاز محل الهندوسية فقد جسد بناء هذا الضريح العلاقة القوية التي ربطت الحبيبين دون النظر الى انتماءاتهما الدينية، وانعكس ذلك على فن العمارة الذي تميز به تاج محل والذي امتزجت به الدلالات والرموز الإسلامية والهندوسية.

مهما يطلع المرء على صور لتاج محل فلن تعكس الصور مدى الجمال المعماري الحقيقي له، لذلك فالزيارة لتاج محل هي المرآة للتعرف على الجمال الحقيقي لهذا الفن المعماري الذي سبق عهده من حيث دقة العمل وهندسته، فلم اجد ثمة خطأ هندسي في هذه التحفة المعمارية، فكتابة الآيات القرآنية على الضريح من اسفل الى أعلى كتبت بقياسات خطوط يزيد حجمها من الأسفل الى الأعلى بهدف ان تكون عند النظر اليها بقياس واحد مهما ارتفعت الكتابات، فأي جمال فني هذا، وحتى الكتابة على الرخام الأبيض الهندي الفاخر فهي ليست رسما وانما رخام معشق بشكل دقيق وفي بعض الرسومات تكون مكوناتها قطعا متعددة، لكن يمكن للمشاهد في الوهلة الأولى ان يرى انها قطعة واحدة وحتى في ملمسها لن يجد أي فواصل، ولم يقف عند هذا الحد فحتى المآذن الاربع التي تحيط بالضريح صممت بميلان اتجاه عكسي للضريح تجنبا لسقوطهما على الضريح في حال وجود اية زلازل، فأي فن هندسي ومعماري وعلمي هذا؟

فتاج محل فعلا يعتبر من روائع نماذج الطراز المعمار الإسلامي وتمت تسميته بجوهرة الفن الإسلامي في الهند ويجسد إحدى الروائع الخالدة وهو مزيج بين الفن المعماري الفارسي والتركي والعثماني والهندي، والذي صمم من قبل الأستاذين عيسى شيرازي وامان الله خان شيرازي.

والدي والبشتخته

وأستذكر في هذا الموضوع والدي، رحمة الله عليه، عندما كان يمارس التجارة الحرة حال معظم الكويتيين في زمانه، وكان يملك اكثر من دكان في الديرة وكان ذلك تقريبا في منتصف القرن الماضي، واحد تلك الدكاكين متخصص في بيع الأسطوانات، ولا أزال أتذكر بعضها حيث كان يحتفظ بمنزلنا القديم بعدد منها وكان مطبوعا عليها انها صنعت في الهند، وقد حكى لي والدي، رحمة الله عليه، ذات مرة من ان احد رواد محله كان الفنان الراحل عبداللطيف الكويتي وكان دائما يستأجر منه «البشتخته» والاسطوانات، وللأسف لم نحافظ على الإرث الفني الذي تركه لنا والدي جهلا منا بقيمته في ذلك الوقت لصغر سننا.

للموسيقى الهندية ذوق خاص

وجمال السينما الهندية يكمن أيضا في الموسيقى الهندية وأغانيها التي تأخذ حيزا كبيرا من وقت الفيلم، فالموسيقى الهندية هي من الفنون العريقة ويرجع تاريخها إلى عدة قرون ماضية وهي فن كالنهر المنهمر ومصدر الهام ديني وعرف ثقافي متوارث جيلا بعد جيل واصبحت جزءا أساسيا من الحياة الاجتماعية والدينية في الهند.

وانتهزت فرصة وجودي في دلهي لكي اتذوق من الموسيقى الهندية، فالموسيقى غذاء الروح التي تعبر عن خلجاتها وتطرق أبواب المشاعر وتكون دواء للنفس، نعم هذا ما شعرت به بمجرد سماعي لها، وحبي للموسيقى الهندية ليس ناشئا، فكان حب سماعها مرتبطا بالتأثر في لحنها المؤثر في النفس عند الاستماع لها ومحاكاتها مع ما تتم مشاهدته من قصة مؤثرة ومعبرة اثناء مشاهدة الأفلام الهندية، ومن يحب الموسيقى الهندية لابد ان يعرف عازف الغيتار الهندي «آلة السيتار» الشهير الراحل رافي شانكار، والذي اعتبر كنزا وطنيا وسفيرا عالميا للتراث الثقافي الهندي.

ويعتبر «رافي» أول من أخرج الموسيقى الهندية من نطاقها المحلي الى بحر العالمية بإذهاله الغربيين بعزفه الحرفي وإبداعه الفائق بصوت آلته العذبة التي يعود اصلها للفارسية، وهي شبيهة بالعود الفارسي.

والموسيقى الهندية حالها حال الثقافة اثرت على المحيط بها بما في ذلك منطقتنا الخليجية، فامتزجت الألحان والإيقاعات الهندية بالغناء العربي تأثرا كبيرا، وكما اسلفنا كانت التجارة السبب في نقل الثقافة بين الشرق والغرب، ودولة الكويت هي منطقة في خط سير التجارة العالمية قديما وحديثا، ومن تلك الثقافة تمازجت الموسيقى الكويتية مع الهندية واستخدمت آلة المرواس والطبول وغيرها من الأدوات، ومن انواع الغناء الذي يغنى بالكويت الغناء اليماني او اليمني والذي يمتاز باستخدام «اللزمات الإيقاعية» والإخوة اليمنيين اضافوا إضافات على الموسيقى الهندية حتى تأخذ طابعا عربيا يمنيا، لذلك نجد ان الإيقاع اليمني هو المحبب للجمهور الكويتي

نُشر بواسطة bader alhammad

من مواليد الكويت عام 1964 ، حاصل على الاجازة الجامعية في تخصص المحاسبة عام 1988 بتقدير جيد جدا . بدء عمله في ذات العام بوظيفة محاسب بوزارة المالية وتدرج في المناصب الاشرافية كرئيس قسم التوجيه المحاسبي ثم مراقب مالي ثم مديرا لإدارة الرقابة المالية الى ان صدر به مرسوم اميري عام 2013 بتعينه وكيل مساعد بوزارة المالية حيث شغل منصب الوكيل المساعد لشئون الرقابة المالية . ثم عين بمرسوم اميري رئيسا لقطاع الرقابة المالية بجهاز المراقبين الماليين عند انشاءه في عام 2015 حيث شغل منصب رئيس قطاع الرقابة المالية للهيئات الملحقة والمؤسسات المستقلة خلال الفترة من عام 2016 حتى عام 2018، ومن ثم شغل منصب رئيس قطاع الرقابة المالية للوزارات والإدارات الحكومية في أكتوبر 2018 ، وبالإضافة الى عملة كلف بمنصب نائب رئيس الجهاز بالوكالة في نهاية ديسمبر 2018 حتى نوفمبر 2019.، وحاليا كاتب رأي ومتخصص في شئون المالية العامة في صحيفة الانباء الكويتية. كما شغل العديد من المناصب الأخرى محليا وخارجيا فكان عضو مجلس إدارة بنك الائتمان الكويتي، وعضو مجلس المدراء التنفيذيين للبنك الإسلامي للتنمية IDB و مجلس المديرين التنفيذيين لصندوق التضامن الاسلامي ISFD و مجلس المديرين التنفيذيين للمؤسسة الاسلامية لتامين الاستثمار وائتمان الصادرات ICIEC . هذا وقد شارك في العديد من اللجان منها الإدارية والفنية ولجان تقصي الحقائق و التحقيق محليا وخارجيا ، وله العديد من الآراء والاجتهادات الفنية التي اثرى بها العمل في مجال الرقابة المالية باعتباره احد مؤسسي نظام الرقابة المالية المسبقة بدولة الكويت ، وقد اصدر له جهاز المراقبين الماليين كتابه الأول في عام 2017 بعنوان ( بعض المسائل الفنية في قضايا الرقابة المالية ).

أضف تعليق