صحيفة الانباء 2 اغسطس 2021

لقد اشرنا في المقالة السابقة بان الدولة تحتاج إلى موارد مالية لتحقيق نقطة التعادل في الميزانية العامة، ويكمن التحدي لها في الاختيار بعناية نوع الضرائب والرسوم، ونوع النظام الضريبي الذي يشجّع المواطنين على تقبله وعدم رفضه.
فالنظام الضريبي لا يقتصر دوره فقط على الجانب المالي والمتمثل في اعتباره مصدر من مصادر الدخل الرئيسي للدولة فهذا مفهوم خاطئ؛ فالنظام الضريبي له أدواراً أخرى محورية؛ ففي الجانب الاقتصادي يملك النظام من الأدوات التي تمكّن الدولة من التأثير على الاقتصاد المحلي من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي ومعدّلات نمو طبيعية، أمّا الجانب الاجتماعي فالنظام الضريبي له دوراً في المساهمة بتحقيق الاستقرار والعدالة الاجتماعية من خلال إعادة توزيع الدخل بين طبقات المجتمع المختلفة.
هذا ويجب ألا نغفل دور النظام الضريبي في تحقيق المساءلة، فمن خلال هذا النظام يتم تمكين دافعي الضرائب من مساءلة كل من المشرّعين والإدارة المالية للدولة عن استخدامات أموال الضرائب وتقييم أدائهم، الأمر الذي يضطر معه المشرع إلى التركيز على معالجة القضايا العامة لا الخاصة والتي تَهُم دافعي الضرائب، كالقضايا التعليمية، والصحية، والاجتماعية، والاقتصادية.
لذا فإن النظام الضريبي يحقق المنفعة العامة ويساهم في استقرار الحياة، فهذا هو الجوهر الحقيقي والثقافة الصحيحة للنظام الضريبي بغض النظر عن الممارسات الخاطئة له.
ومن جانب آخر يجب أن نذكّر بأنّ النظام الضريبي ليس بغريب على النظام الاقتصادي والمالي للدولة؛ فاقتصاد الدولة منذ تأسيسها وقبل اكتشاف النفط كان قائم على جباية الضرائب والرسوم بشكل كلي، وهذا ما تؤكده البيانات المالية التاريخية للدولة.
وحتى بعد اكتشاف النفط ظلّت الضرائب والرسوم تشكل رافداً رئيسياً لموارد ميزانية الدولة، هذا وان قل الاعتماد عليها خلال العقود السابقة، وقد أكد الدستور على مبدأ أساسي بأنّ الضرائب عمود الاقتصاد الكويتي، وهذه حقيقة يجهلها العامة وللأسف بعض المشرّعين أيضاً؛ فالدستور نص في مادته رقم (48) في الباب الثالث منه والمتعلق بالحقوق والواجبات العامة بأنّ أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب وفقاً للقانون، وينظّم القانون إعفاء الدخول الصغيرة من الضرائب بما يكفل عدم المساس بالحد الأدنى اللازم للمعيشة.
هذا كما أكدّ الدستور أيضاً أهمية تنظيم الضرائب حيث تضمّنت أحكامه بأنّ إنشاء الضرائب العامة لا يكون إلا بقانون، ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم والتكاليف إلا في حدود القانون، كما لا يجوز أن يتضمّن قانون الميزانية أي نص من شأنه إنشاء ضريبة جديدة، أو زيادة في ضريبة موجودة.
وعلى الرغم من ذلك إلا أنّ تبنّي نظام ضريبي ليس بالأمر الهيّن، فالأمر يتطلب توفير البيئة المناسبة للنظام، ومقوّمات النجاح له؛ فالتسرع في التطبيق دون دراسة وافية ومستفيضة، أو باجتزاء توصيات الجهات الاستشارية والمختصة في هذا الشأن، بلا شك سوف يحكم على تطبيق أي نظام ضريبي بالفشل، كما لا بد أن يتزامن تطبيق الضرائب مع برنامج إصلاحات مالية حقيقية حتى لا تكون الضريبة عبئاً إضافياً على المواطنين.
إذن إصلاح الإدارة المالية العامة للدولة، ورفع كفاءة الإدارة الحكومية من خلال تطويرها وحوكمتها هو بوابة لنجاح أي نظام ضريبي فعّال؛ فبدون تلك الإصلاحات المالية لا يمكن أن نخلق نظام ضريبي ناجح يحقق الرفاهية المستدامة للمواطنين.
“الضرائب هي الثمن الذي تدفعه المجتمعات المتحضّرة
مقابل فرصة للبقاء متحضّرة”
ألبرت بوشنيل هارت