صحيفة الانباء 11 يوليو 2021

بعد الاطلاع عن كثب على فلسفة إدارة النرويج لصندوقها السيادي من خلال ما تم سرده في المقالات السابقة ، وانطلاقا من نظرة متخصص في مجال المالية العامة ، فإننا نرى ان تحقيق مبادئ الشفافية في المالية العامة وعلى وجه التحديد في الصناديق السيادية للدولة امر قابل للتطبيق، وذلك متى ما وجدت المبادرة في ظل الايمان بمبادئ الحوكمة في إدارة هذه الصناديق، ومتى ما كان هناك توافق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في التركيز على وضع مبادئ توجيهية للأخلاقيات في إدارة الصناديق السيادية للدولة، ووضع الاليات والسياسات المناسبة لإدارتها.
فالبنية التشريعية للدولة قائمة على اساسات ودعائم تنطلق منها تلك المبادئ الأخلاقية، فأحكام الدستور نصت على حماية الأموال العامة، وان الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية، وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية، ورفع المستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين.
كما أكد الدستور بان الثروات الطبيعية ومواردها ملك الدولة، وتقوم الدولة وبتعاون السلطات فيها على حفظها وحسن استغلالها بما يقتضيه اقتصادها الوطني، هذا وتقدم الحكومة الى مجلس الأمة بيانا عن الحالة المالية للدولة مرة على الأقل في خلال كل دور من أدوار انعقاده العادية، بما يحقق الشفافية في البيانات المالية واهمية مشاركتها بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ممثلة بمجلس الامة وهو ممثل الشعب.
ووفقا للبنية التشريعية تلك فلا بد ان تأتي التشريعات في سياق احكام الدستور، وعلى الإدارة المالية العامة للدولة المضي قدما في تحقيق تلك المبادئ ، من خلال مبادرتها بتبني كل ما يعزز تلك المبادئ في التشريعات المتعلقة بالإدارة المالية للدولة ، ومنها ميثاق الممارسات السليمة في مجال شفافية المالية العامة الذي اعده صندوق النقد الدولي ، وافضل الممارسات المعنية في شفافية الموازنة التي أعدتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ، ومبادئ الاستثمار المسئول (ESG) الصادرة من الأمم المتحدة في هذ الشأن (UN PRI)، وغيرها من المبادئ والممارسات الجيدة في هذا المجال .
وكما أشرنا سابقا بما ان البرنامج الوطني للاستدامة الاقتصادية والمالية في ظل برنامج عمل الحكومة (2021/2022- 2024/2025)، والذي أعده الفريق التوجيهي المشكل برئاسة وزير المالية والتابع للجنة الشئون الاقتصادية في مجلس الوزراء، قد تبني معالجة استدامة المالية العامة وفق برنامج وطني للاستدامة لتعزيز كفاءة الإدارة الحكومية من خلال عدة مبادرات منها حوكمة تنفيذ الإصلاح المالي وتطوير نزاهة وشفافية الإدارة الحكومية.
وعليه فلا مناص من تبني أفضل الممارسات الدولية في مجال شفافية المالية العامة وحوكمة إدارة الصناديق السيادية بما في ذلك تلك التي لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية وفق ومبادئ الاستثمار المسئول، وان تسعى الإدارة المالية العامة بالتنسيق مع السلطة التشريعية لتحقيق ذلك لتكون في مصاف الدول ذات التصنيف العالي في مؤشرات شفافية الصناديق السيادية.
خاصة وان وزارة المالية في مجال الشفافية قد أطلقت إستراتيجيتها في بداية العقد الماضي، والتي تدعم المساءلة والشفافية والسعي نحو تحسين وضع الوزارة في مؤشر الشفافية والنزاهة ومدركات الإصلاح، ونشر قيم الشفافية والنزاهة انسجاماً مع المعايير العالمية في مجال الشفافية النزاهة، والتي ترصدها منظمات عالمية.
كما صاغت رؤيتها في هذا الشأن بأن تكون نموذجا للنزاهة والشفافية، وحددت رسالتها بالسعي إلى تعزيز النزاهة لتحقيق النمو المستدام، وتحسين الخدمات العامة من خلال الشفافية في إتاحة المعلومات للمجتمع والجهات الرقابية، وتفعيل المساءلة عن القرارات، ومكافحة الفساد المالي والإداري بأنواعه، وصولا لتحقيق الإدارة الرشيدة لموارد الدولة.
(انتهى)