صحيفة الانباء 13 يونيو 2021

الاستدامة المالية للدولة هدفٌ منشودٌ، يمكن تحقيقها من خلال المبادرات الطوعية التي تعزز كفاءة ونزاهة وشفافية الإدارة الحكومية، ومن المبادرات في مجال الشفافية “ميثاق شفافية المالية العامة” والذي أعدّه صندوق النقد الدولي، ويتضمن الميثاق إطاراً شاملاً للشفافية المالية.
ومن المبادرات أيضاً تبنّي أفضل الممارسات في مجال شفافية الميزانية العامة، والتي أعدتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ولعل من المناسب أنّ نشير بأنّ وزارة المالية قد تبنت إحدى تلك الممارسات؛ وهي مؤشرات الإنفاق العام والمساءلة المالية (PEFA)، حيث توفّر تلك المؤشرات إطاراً عاماً لتقيم الإدارة المالية العامة، وتحديد نقاط القوة والضعف فيها، وتعتبر تلك المؤشرات أداة لتساعد الإدارة المالية العامة للدولة في إجراء التحسينات المطلوبة فيها، والتي ترتكز إلى مدى موثوقية البيانات المالية والإفصاح عنها، وشفافية المالية العامة والإدارة الفعالة للأصول والخصوم بما في ذلك الاستثمارات، لكن لم يتبين حتى هذه اللحظة أي انعكاس لتبني وزارة المالية لمثل تلك المؤشرات، وذلك بسبب عدم وجود أي تقارير منشورة بهذا الشأن .
وعندما نتطرق للبيانات المالية للدولة؛ فإننا نعني بها نوعين من البيانات المالية، النوع الأول: يتمثل ببيانات الميزانية العامة للدولة والتقارير الخاصة بها، وقد حدّدت التشريعات الإطارالعام لتنظيم تلك البيانات، فوفقاً لأحكام الدستور نظّم القانون قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة عليها وإعداد الحسابات الختامية، تم تحديد البيانات المالية المتعلقة بالميزانية والواجب الإفصاح عنها.
وتتمتع تلك البيانات في رأيي بقدر كبير من الشفافية إلا في حدود ما قيده القانون، كما تخضع تلك البيانات لرقابة السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الأمة، ويتم مناقشتها في اللجنة المختصّة بالمجلس مع الجهات ذات العلاقة، وإقرارها بجلسة عامة بالمجلس على ضوء ما يتضمّن تقرير اللجنة المعنية التي أعدته من توصيات في هذا الشأن.
ومن البيانات المالية الواجب تقديمها من قِبَلْ الجهات الحكومية الحسابات الشهرية والربع سنوية وغيرها من الحسابات، كما تقدم تلك الجهات لوزارة المالية الحساب الختامي في توقيتات محددة، ويعد وزير المالية الحساب الختامي للإدارة المالية للدولة متضمناً تقريراً خاصاً عنه بما يكفل إظهار حقيقة المركز المالي، والمقصود بحقيقة المركز المالي هنا هو نتائج تنفيذ قانون الميزانية العامة وليس المركز المالي للدولة بمفهومه الدقيق.
كما يلزم القانون بعرض الحساب الختامي للدولة والتقرير الخاص به على مجلس الوزراء، ومن ثم يقدم إلى السلطة التشريعية للنظر فيه وإصدار القانون الخاص باعتماده؛ هذا وألزم القانون السلطة التنفيذية بتقديم نسخة من تلك التقارير والحسابات لديوان المحاسبة حيث تخضع لدراسته وفقاً لقانون إنشائه، ويقدم الديوان تقريراً بشأنه إلى كل من السلطة التشريعية والتنفيذية.
أمّا الجانب الثاني وهو الأهم في نظري؛ فهو المتعلق بالبيانات المالية بالصناديق السيادية، والتي تُدار من قبل الهيئة العامة للاستثمار بموجب قانون إنشائها الصادر في عام 1982 (باستثناء صناديق التقاعد التي تُدار بشكل منفصل من قِبَل مؤسسة التأمينات الاجتماعية)، وتعتبر الصناديق السيادية التي تديرها الهيئة أول صناديق ثروة سيادية في العالم؛ حيث وضعت لَبْنتها الأساسية في عهد المغفور له سمو الشيخ عبد الله السالم الصباح، وأطّر شكلها القانوني في عهد المغفور له سمو الشيخ جابر الأحمد الصباح.
وللأسف ما يُعاب على البيانات المالية لهذه الصناديق في نظري عدم تمتعّها بالشفافية المطلوبة وفق المعايير الدولية، على الرغم من إفادة الهيئة بأنّ لديها واحد من أقوى هياكل الحوكمة وأنها تتمتع بالشفافية التامة، وتستند الهيئة في إفادتها تلك بأنّ حساباتها تراجع ويدقّق عليها من قبل اثنين من أكبر الشركات العالمية للتدقيق الخارجي، كما تفيد بأنّها تقدم بيانات نصف سنوية عن أصولها إلى ديوان المحاسبة، وبياناً سنوياً بحساباتها إلى كل من مجلس الوزراء ومجلس الأمة.
وعلى الرغم من إفادة الهيئة تلك، إلا أنّ إجراءاتها لم تمكّنها من أنّ تكون في مصاف الصناديق السيادية الأعلى شفافية.