صحيفة الانباء 19 مايو 2021

تمارس الأجهزة الرقابية بالدولة أنواعاً مختلفةً من الرقابة كلٍ حسب اختصاصاتها المحددة في قانون إنشائها؛ إلا أنها تمارس في ذات الوقت رقابة شائعة لم يتطرق لها المشرع بشكل صريح وإنما بشكل ضمني، وهي ما يسمى برقابة الامتثال أو رقابة الالتزام (omplianceCControl)، والتي تهدف إلى التحقق من مدى التزام الجهات الحكومية بالقوانين واللوائح والأنظمة المعنية.
تعزز رقابة الامتثال مبادئ الحوكمة والشفافية في القطاع العام، كما تساهم في تعزيز مبادئ المساءلة من خلال التقارير التي تعدها الأجهزة الرقابية، والتي تحدد مكامن الخلل في الجهات الحكومية.
ومن جانب آخر فإن التقارير التي تعكسها رقابة الامتثال تقيس أداء المسؤولين القائمين على الأجهزة الحكومية، ومن ضمنها مدى التزامهم بالقوانين واللوائح والأنظمة الخاصة بالعمل.
وفي سياق حديثنا عن هذا النوع من الرقابة فإن التقيد بالتشريعات باختلاف درجاتها أمرٌ ملزمٌ، ولا يجب أن نفرق بين تلك التشريعات؛ فعلى سبيل المثال عندما صدر المرسوم رقم (3) لسنة 2021 بإنهاء العمل بالمراسيم الصادرة بالتعيين بدرجة وزير، والذي نص على إنهاء العمل بالمراسيم الصادرة بالتعيين بهذه الدرجة اعتباراً من 31/1/2021، وبغض النظر إن كان الغرض من إصدار هذا المرسوم تقنين هذه الدرجة سواء من حيث عدد شاغليها أو مدة شغلها؛ لكن من الملاحظ أنّه تم الالتزام بالتاريخ الذي حدد العمل بالمرسوم.
لذلك فمن الغريب أنّ هناك قياديون بالدولة استمروا على رأس عملهم ويمارسون سلطة إصدار القرارات الإدارية والسلطات الرئاسية على الموظفين التابعين لهم وسلطة تنظيم العمل الإداري؛ على الرغم من انتهاء خدمتهم قانونياً بعدم تجديد مراسيم تعيينهم في حينه؛ حيث قامت بعض الجهات الرقابية برصد هذه الملاحظة.
وتجدر الإشارة بأنّ القانون قد نظّم التعيين في الدرجات القيادية والتجديد فيها من عدمه؛ فالقانون ألزم الوزير المعني قبل انتهاء مدة شَغْل الوظائف القيادية بستة أشهر بأن يرفع تقريراً إلى مجلس الوزراء يبين فيه رأيه في تجديد أو عدم تجديد شَغْل القيادي لوظيفته مشفوعاً بالمبررات وفي ضوء التقارير السنوية المقدمة عنه، وهذه في رأيي مدة كافية ليتم فيها تقييم أداء القيادي من قبل الوزير المعني.
وقد أكدت إدارة الفتوى والتشريع في إحدى فتاويها على ما جاء بأحكام قانون الخدمة المدنية من أنّ التعيين في الوظائف القيادية لا يكون إلا بمرسوم أميري ولمدة أربعة سنوات، كما أكدت بأنّ تجديد التعيين لا يكون ضمنياً؛ بل يتعيّن صدور مرسوم بذلك، والذي يترتب على عدم صدوره انتهاء خدمة شاغلي الوظائف القيادية اعتباراً من تاريخ انتهاء المدة المشار إليها بمرسوم التعيين.
لكن في الواقع لا يتم الالتزام بأحكام القانون؛ فتارةً نرى التجديد لقياديين قبل ستة شهور من انتهاء مرسوم تعيينهم؛ في حين أنّ هناك قياديون لا يتم التجديد لهم إلا بعد انتهاء مرسوم تعيينهم، وفي حالات تجاوزت الفترة إلى عدة سنوات، وقد ساهم في استمرار تلك الظاهرة التي نرى أنها مخالفة للقانون بعض الآراء القانونية التي تجيز ذلك بشكل غير مباشر تحت ما يسمى بـ “الأجر مقابل العمل”.
لذا فإنّ رقابة الامتثال تحتّم التقيّد بالتشريعات الصادرة بتنظيم عمل القياديين بالدولة أسوة بصدور المرسوم رقم (3) لسنة 2021، ولا يوجد ثمة ذريعة بالأحوال الاستثنائية لضمان الانتظام بالمرافق العامة؛ حيث أنّ القانون قد نظّم مثل تلك الأحوال من خلال المرسوم بالقانون رقم (116) لسنة 1992 في شأن التنظيم الإداري، وتحديد الاختصاصات، والتفويض فيها.
كما أنها تعد ضمانة لحوكمة الأعمال الإدارية في المرافق العامة بعيداً عن خضوع القيادي للضغط في التجديد له من عدمه؛ كما أنّ استمرار القيادي على رأس عمله رغم انتهاء مرسوم تعيينه في رأيي يعتبر نوعاً من أنواع تعارض المصالح، إلى جانب أنه يعد إشكالية في تكييفه القانوني خاصة فيما يتعلق بالمسؤوليات والواجبات والعقوبات المنصوص عليها بقانون الخدمة المدنية؛ حيث إنّ القانون لا يمنحه صفة القيادي في حين أنّه يمارس أعماله.