قراءة في تقرير ديوان المحاسبة بشأن مصروفات وباء كورونا

صحيفة الانباء 9 مايو 2021

https://alanba.com.kw/1042108

أنجز ديوان المحاسبة تكليفه بفحص ومراجعة كافة المصروفات والإجراءات الحكومية الخاصة باستخدام الأموال العامة المخصصة لمواجهة أزمة وباء كورونا، وهذا التقرير برأيي يمثل وثيقة ذات أهمية استثنائية تتعلق بتقييم أداء الإدارة المالية العامة للدولة أثناء هذه الأزمة.

وبما أنّ الديوان قد أحال هذا التقرير إلى مجلس الأمة وتم إدراجه بجدول أعماله؛ إذاً سوف يتبين لنا دور مجلس الأمة الرقابي بشأن ما جاء بهذا التقرير من ملاحظات التي شابت مصروفات الجهات الحكومية لمواجهة أزمة كورونا، خاصة في ظل أحكام القانون رقم (1) لسنة 1991 بشأن حماية الأموال العامة المناط بمجلس الأمة إلى جانب ديوان المحاسبة.

ومن الملاحظ في هذا التقرير أنّ الديوان قد واجه تحديات في سبيل قيامه بتنفيذ مهامه، حيث عانى الديوان من تأخر بعض الجهات الحكومية المعنية بالرد على استفساراته ومتطلباته، ومن عدم تزويده بالبيانات والمستندات المتعلقة بموضوع هذا التكليف من قبل بعض الجهات الحكومية المعنية، علماً بأنّ تلك التحديات تُصنّف كمخالفات مالية والتي تستوجب المساءلة القانونية وفقاً لأحكام قانون ديوان المحاسبة.

ومن جانب آخر أشار الديوان في تقريره إلى حجم المصروفات التي أُنفقت في مواجهة أزمة كورونا خلال نطاق زمني حدده الديوان، وهو الأول من شهر مارس 2020 وحتى منتصف شهر سبتمبر 2020؛ أي خلال ستة شهور ونصف، والتي قُدّرت بـ 796.7 مليون دينار: منها (69.5%) صُرفت على حساب العهد (554.5 مليون دينار)، وتتضمن العهد بمبلغ 240.4 مليون دينار صُرفت كدعم للعمالة الوطنية من قبل الهيئة العامة للقوى العاملة أي ما يمثل (43.3%) من إجمالي المُنصرف على حساب العهد، إلا أنّه من الغريب أنّ الديوان لم يُشِر بشكل أو بآخر إلى أنّ الإنفاق تم بما لا يتسق مع أحكام المادتين (146 ، 147) من الدستور، وذلك بالإنفاق خارج نطاق اعتمادات أبواب الميزانية (العهد).

كما أشار الديوان إلى عدم وجود قوانين واضحة لتحديد آلية التعاقدات وأشكالها في حالات الطوارئ، إلا أنّه في رأيي أنّ ديوان المحاسبة قد غاب عنه ما جاء في هذا الشأن بالقانون رقم (49) لسنة 2016 بشأن المناقصات العامة وتعديلاته، والذي تناول ضمن أحكامه ما يتعلق بتنظيم التعاقدات في حالات الضرورة القصوى (الأعمال الطارئة والكوارث).

وقد ختم الديوان تقريره بعدد من التوصيات كطلب اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة بشأن الملاحظات الواردة بتقرير مصروفات أزمة كورونا، وهنا برأيي أنّ على الديوان أن يتابع تنفيذ تلك التوصية مباشرةً طالما له الأسبقية في كشفها، واتخاذ الإجراءات التأديبية تجاه المسؤولين المتسببين في إلحاق الضرر الجسيم بالأموال العامة، سواء كان ذلك ناشئاً عن إهمال أو تفريط في أداء وظائفهم، أو كان نتيجة إخلال بواجباتهم وإساءة استعمال السلطة، وذلك بما يتسق مع قانون حماية الأموال العامة.

كما تضمَّنت التوصيات طلب إعادة النظر في التشريعات السابقة الصادرة لمواجهة الكوارث والأزمات، والاستفادة من الخبرات والمعلومات التي تنتج من خلال إدارة الأزمات، وتجدر الإشارة بأنّ وزارة المالية في إطار تبنّيها للإصلاحات المالية بالتنسيق مع البنك الدولي قد أَصدرت دليل إرشادي لمؤشرات تقييم أداء الإنفاق الحكومي والمساءلة المالية Public Expenditure and Financial) (Accountability  “PEFA”  في عام 2014، والذي يتضمن مؤشر يقيس مدى مراعاة الميزانية لنفقات الطوارئ، وفي رأيي كان من الحصافة أن يتم مراعاة هذا المؤشر منذ ذلك الوقت والذي يأتي في سياق الإصلاحات في المالية العامة.

أما التوصية المتعلقة بدراسة إمكانية إنشاء صندوق نقدي لحالات الطوارئ، يتم تمويله سنوياً من إيرادات الدولة لتسهيل إجراءات الصرف وعدم الإخلال بميزانية الدولة وخطتها السنوية، ففي رأيي أنّ الديوان قد جانبه الصواب؛ فالنظام المالي للدولة يستوعب مثل تلك الاحتياجات المالية، حيث تمتلك الدولة احتياطي عام؛ الغرض منه حماية المركز المالي للدولة من أي طارئ ينتج عن ظروف خارجة عن الإرادة ولم تكن الدولة تتوقعها كأزمة كورونا، وقد نظم المرسوم بقانون رقم (31) لسنة 1978 بقواعد اعداد الميزانيات العامة والرقابة عليها والحساب الختامي  إجراءات ذلك.

ختاماً.. في رأيي أنّ ديوان المحاسبة قد بذل جهداً كبيراً في هذا التقرير في ظل تلك الأزمة، وإن كنت أرى أنّه قد أَغفل جانبين مهمين في تقريره: الأول  يتعلق في دوره بالاستيثاق من كفاية الأنظمة والوسائل المتبعة لصون الأموال العامة ومنع العبث بها خلال هذه الأزمة، سواء كانت الأنظمة داخلية كالتدقيق الداخلي أو أنظمة خارجية كجهاز المناقصات، ووزارة المالية، وجهاز المراقبين الماليين؛ لبيان دورها في تلك الملاحظات، خاصةً وأنّ هناك استياء كبير من قبل الرأي العام بشأن دور وفعالية الأجهزة الرقابية في ظل استمرار الملاحظات والمخالفات المالية كظاهرة عامة.

أما الجانب الآخر فهو يتعلق بنطاق تكليفه الصادر من مجلس الأمة والمتعلق بإعداد تقرير بشأن كافة المصروفات وإجراءات الحكومة الخاصة باستخدام الأموال العامة، حيث أنّ هذا النطاق مرتبط بانتهاء أزمة كورونا؛ وبالتالي كان على الديوان أن يستمر بتقديم تقارير دورية بشأن هذا التكليف لحين انتهاء أزمة كورونا؛ حيث أنّ تقرير الديوان لم يشمل كافة المصروفات سواء ما تم صرفه أو ما سيتم صرفه بعد 15 سبتمبر 2020، ومنها مكافآت العاملين خلال أزمة كورونا تحت ما يسمى بـ “الصفوف الأمامية”.

نُشر بواسطة bader alhammad

من مواليد الكويت عام 1964 ، حاصل على الاجازة الجامعية في تخصص المحاسبة عام 1988 بتقدير جيد جدا . بدء عمله في ذات العام بوظيفة محاسب بوزارة المالية وتدرج في المناصب الاشرافية كرئيس قسم التوجيه المحاسبي ثم مراقب مالي ثم مديرا لإدارة الرقابة المالية الى ان صدر به مرسوم اميري عام 2013 بتعينه وكيل مساعد بوزارة المالية حيث شغل منصب الوكيل المساعد لشئون الرقابة المالية . ثم عين بمرسوم اميري رئيسا لقطاع الرقابة المالية بجهاز المراقبين الماليين عند انشاءه في عام 2015 حيث شغل منصب رئيس قطاع الرقابة المالية للهيئات الملحقة والمؤسسات المستقلة خلال الفترة من عام 2016 حتى عام 2018، ومن ثم شغل منصب رئيس قطاع الرقابة المالية للوزارات والإدارات الحكومية في أكتوبر 2018 ، وبالإضافة الى عملة كلف بمنصب نائب رئيس الجهاز بالوكالة في نهاية ديسمبر 2018 حتى نوفمبر 2019.، وحاليا كاتب رأي ومتخصص في شئون المالية العامة في صحيفة الانباء الكويتية. كما شغل العديد من المناصب الأخرى محليا وخارجيا فكان عضو مجلس إدارة بنك الائتمان الكويتي، وعضو مجلس المدراء التنفيذيين للبنك الإسلامي للتنمية IDB و مجلس المديرين التنفيذيين لصندوق التضامن الاسلامي ISFD و مجلس المديرين التنفيذيين للمؤسسة الاسلامية لتامين الاستثمار وائتمان الصادرات ICIEC . هذا وقد شارك في العديد من اللجان منها الإدارية والفنية ولجان تقصي الحقائق و التحقيق محليا وخارجيا ، وله العديد من الآراء والاجتهادات الفنية التي اثرى بها العمل في مجال الرقابة المالية باعتباره احد مؤسسي نظام الرقابة المالية المسبقة بدولة الكويت ، وقد اصدر له جهاز المراقبين الماليين كتابه الأول في عام 2017 بعنوان ( بعض المسائل الفنية في قضايا الرقابة المالية ).

أضف تعليق