صحيفة الانباء 5 ابريل 2021
في مقالة سابقة نُشرت لي بالصحيفة في بداية ازمة جائحة فايروس كورونا المستجد، تطرّقت فيها للآلية التي أقرّها مجلس الوزراء لتقدير جهود المكلّفين بالعمل في مواجهة انتشار هذا الفايروس.
وكان ملخّص وجهة نظري الوارد في تلك المقالة إن آلية تقدير المكافآت لم تتّسم بالحصافة، نظرا لعدم مُراعاتها للظروف المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، وما قد ينتج عنها من عواقب وخيمة، خاصة وأن التشريعات القائمة بشأن تنظيم تعويض العاملين بالدولة كانت قادرة على التعامل مع ظروف العمل خلال هذه الازمة والتي سبق أن اوضحناها في تلك المقالة.
وما قد توقعناه في ذلك الوقت قد تحقق، حيث كان للآلية التي أُقِرّت تداعيات سلبية، سواء كان ذلك على مستوى مستحقيّها بسبب معايير تصنيف العاملين، أو على مستوى إجراءات صرفها نظرا لاحتمال استغلال صرفها لفئات غير مستحقة، وهذا ما تبيّن من خلال قيام ديوان الخدمة المدنية قبل فترة برفع توصية إلى مجلس الوزراء بإحالة الجهات الحكومية التي لم تُعدّل الملاحظات المسجلة على كشوف مستحقي المكافآت إلى هيئة مكافحة الفساد (نزاهة).
أما الجانب المالي والاقتصادي وهو المهم فلم يسلم هذا الجانب أيضا من تلك التداعيات، فإقرار ميزانية خاصة لمكافآت ما يسمّى بالصفوف الأمامية بمبلغ 600 مليون دينار، في ظل بحث الإدارة المالية العامة للدولة عن مصادر لتمويل عجز الميزانية العامة قد اضافت عبئا آخرا على الميزانية، فوفقا لآخر بيانات مالية متاحة فإن هذا العبء الاضافي يعتبر قياسيا.
فعلى مستوى مصروفات باب تعويضات العاملين بالميزانية (الأجور والمرتبات) فيمثّل هذا المبلغ نسبة 8% تقريبا من مصروفات الباب، ويمثّل نسبة 140% تقريبا من إجمالي مصروفات بند المكافآت، كما يمثّل نسبة 300% تقريبا من الاعتماد التكميلي المخصص لتعيين الموظفين الكويتيين، أي ما يعادل ميزانية توظيف لثلاثة سنوات مالية، ومن جانب المصروفات الرأسمالية فيمثّل هذا المبلغ نسبة 26% تقريبا من جملة تلك المصروفات.
وفي رأيي لو تم التعامل مع هذا الموضوع بحصافة وفقا للنظم المعمول بها بالدولة لكان بإمكان اعتمادات ميزانية السنة المالية 2020/2021 ان تستوعب تبعات هذا الامر ومن دون اية مبالغ إضافية، خاصة في ظل التعطيل شبه الكامل لمعظم المصالح الحكومية خلال تلك الفترة.
أما فيما يتعلق بقرار مجلس الوزراء باستبعاد القياديين من كشوف المكافآت المالية باستثناء قياديي وزارتي الصحة والداخلية، فعلى الرغم من رأيي المبدئي السابق الذي لا يتفق مع آلية إقرار مثل تلك المكافآت، إلا أن استبعاد بعض العاملين من استحقاق تلك المكافآت يعتبر في رأيي قرار غير حصيف ايضا، فالمسالة هنا ليست مسألة صفوف أمامية، فنحن أمام قرار سبق اصداره من قبل مجلس الوزراء أُقر فيه تقدير الموظفين المكلفين بالعمل في مواجهة انتشار فايروس كورونا، وبالتالي ليس من العدالة أن يتم استبعاد أية فئة من هؤلاء العاملين مهما كانت صفتهم طالما قدّموا عملا خلال فترة التكليف وتحمّلوا فيها الأعباء والمسئوليات، فنظام الخدمة المدنية يُلزم تعويض المكلفين بأي أعمال رسمية .
ختاما. . وفي هذا السياق أرى من المناسب أن اشير الى مبادئ ضمّنها ديوان الخدمة المدنية اصداراته الخاصة، واقتبس منها الفقرة التالية:
( …. الغاية الأهم هي تحقيق التطبيق السليم للقانون، أي تحقيق العدالة التي هي في جميع الشرائع ليست مجرد مرفق أو وظيفة أو مهنة، وإنما هي أمانة ورسالة، وهي قيمة من القيم العليا التي يأمر بها المولى عز وجل، ذلك أن الغاية من إقامة العدل بين الموظفين وبينهم وبين الدولة هي إعلاء سيادة القانون ورعاية الواجبات وحفظ الحقوق، وهي أشد ما تحرص عليه تعاليم السماء ….).