صحيفة الانباء 25 فبراير 2021
العناوين الرئيسية:
- من الواضح ان كل الإجراءات التي اتخذتها الإدارة المالية العامة للدولة في سبيل معالجة معضلة عجز الموازنة لم تفي بالغرض.
- ان أصل مشكلة العجز نابعة من الخلل بنموذج عمل الإدارة المالية العامة والذي انعكس سلبا على البيانات المالية للدولة.
- التعديل على المرسوم بالقانون رقم (106) لسنة 1976 في شأن احتياطي الأجيال القادمة النحو الذي اقترحته الإدارة المالية العامة لا يعتبر تعديلا مناسبا.
- يجب ان نلتزم بوصية المشرع بان نكون أوفياء للأمانة وحافظين للرسالة لأجيالنا القادمة.
على الرغم من تمسك الإدارة المالية العامة للدولة بمشروع قانون الدين العام الا انه بات من الواضح انها قد وضعت امام مجلس الامة خيارين، اما إقرار مشروع قانون الدين العام، او إقرار مشرع قانون السحب من احتياطي الأجيال القادمة.
وتأتي خطوة مشروع تعديل المادة الثالثة من المرسوم بالقانون رقم (106) لسنة 1976 في شان احتياطي الأجيال القادمة نتيجة لعدم وجود توافق فيما بين الحكومة ومجلس الامة بشان مشروع قانون الدين العام ، خاصة في ظل عدم قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها في توقيتاتها المناسبة ، وبهذا المشروع يتضح من ان كل الإجراءات التي اتخذتها الإدارة المالية العامة للدولة في سبيل معالجة معضلة عجز الموازنة لم تفي بالغرض المطلوب، وفي رايي بان هناك قناعة من الادارة من ان الإجراءات التي تبنتها سابقا ليست هي الإجراءات الناجعة التي تعالج مشكلة عجز الموازنة العامة ، لان أصل المشكلة في رايي كانت نتيجة لخلل في أسلوب عمل الإدارة المالية العامة بالدولة، وهذا ما أفصح عنه بشكل غير مباشر سمو رئيس مجلس الوزراء مؤخرا اثناء لقاءه مع الصحافة المحلية من ان العجز كان نتيجة لقرارات حكومية الى جانب قوانين صادرة من قبل مجلس الامة.
وقد انعكس أداء العمل السلبي لاسلوب عمل الإدارة المالية العامة المتبع على نتائج البيانات المالية للدولة، فقد أظهرت تلك البيانات من ان حجم المبالغ المسحوبة من الاحتياطي العام لسد عجز الموازنة العامة قد بلغت خلال الفترة من 2014/2015 الى 2019/2020 مبلغ 24.2 مليار دينار تقريبا ،هذا بخلاف الالتزامات الأخرى والتي رفعت سقف السحب من الاحتياطي العام بما يزيد عن 40 مليار دينار ، حيث بات من الواضح ومن خلال تلك البيانات ان مشروع قانون للدين العام لن يكون هو الوسيلة الفعالة لمعالجة ازمة السيولة النقدية ، خاصة في ظل اسلوب عمل الإدارة المالية العامة الحالي ، هذا ولن يستطيع صندوق الاحتياطي العام مستقبلا الوفاء بالتزاماته نتيجة لعدم القدرة على تحقيق الاستدامة للمالية العامة ،ولعدم وجود برنامجا إصلاحيا شاملا للموازنة العامة للدولة .
وفي رأيي ان مجرد تفكير الإدارة المالية العامة بان تستفيد من صندوق الأجيال القادمة يعتبر من أحد الحلول الموضوعية بشرط ان تكون الاستفادة تتسم بالحوكمة ، هذا وان لاقى هذا الامر ردود أفعال سلبية من قبل أعضاء مجلس الامة و الراي العام ، وكان اللافت في الامر ان الإدارة المالية العامة بعدما كانت تعارض أي طرح للاستفادة من احتياطي الأجيال القادمة ،أصبحت مؤخرا تتقبل الفكرة بل وتتبناها، وكان هذا واضحا عندما جاءت وزير المالية السابق بمشروع قانون بإعادة النظر باستقطاع نسبة 10 بالمئة من الإيرادات العامة لصالح هذا الاحتياطي ، حيث كان يرى ان هذا المشروع له جوانب فنية ومهنية من شأنها ان تعزز السيولة للموازنة العامة للدولة، وقد انتهى هذا المشروع بصدور القانون رقم (18) لسنة 2020 بتعديل بعض احكام المرسوم بالقانون رقم (106) لسنة 1976 في شان احتياطي الأجيال القادمة.
لكن التساؤل هنا هل تعديل المرسوم بالقانون رقم (106) لسنة 1976 في شأن احتياطي الأجيال القادمة على النحو الذي اقترحته الإدارة المالية العامة يتّسم بالحصافة؟
في رايي لا اتفق تماما مع تعديل المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم (106) لسنة 1976 ولأسباب موضوعية، تلك الأسباب التي سبق ان تناولتها وبنوع من التفصيل الفني والقانوني في الصحيفة في فبراير 2020 بعنوان (حقيقة العجز في الموازنة العامة للدولة) ، وذلك عندما اثرت الجوانب التشريعية المتعلقة بالموضوع ، وعلى وجه الخصوص حكم الدستور في المرسوم بقانون رقم (106) لسنة 1976 وأثره على حقيقة العجز في الموازنة العامة للدولة، واثرنا أيضا راينا بوجوب ان يلعب صندوق الأجيال القادمة دورا محوريا في معالجة ازمة السيولة النقدية طالما كانت الاستفادة تنطلق من ركائز موضوعية لا تمس ديمومته الصندوق ونموه.
وتأكيدا على تلك الركائز الموضوعية علينا ان نسترجع رؤية المشرع عندما اقر المرسوم بقانون رقم (106) لسنة 1976، حيث صدر المرسوم بقانون بهدف تامين مستقبل الأجيال القادمة في وقت تحقيق الدولة لوفرة مالية، ولكي تضمن الدولة من خلاله تحقيق الاستدامة المالية عبر الأجيال عند الحاجة له في الظروف الصعبة التي تواجه الدولة.
والان وبعد أربعة عقود ونيف من الزمن ونتيجة للظروف المالية الصعبة التي تواجهها الدولة ،والتي انعكست سلبا على المركز المالي للاحتياطي العام بسبب انخفاض أسعار النفط من جهة، وزيادة المصروفات من جهة أخرى، هذا في ظل عدم تمكّن سيولة الاحتياطي العام للدولة من الاستمرار من سد العجز في الموازنة العامة ، أصبحت الأجيال الحالية والتي كانت تمثل الأجيال القادمة عند انشاء صندوق الأجيال القادمة في حاجة ماسة للاستفادة من هذا الصندوق وفقا لرؤية المشرع في ذلك الوقت ، وذلك من خلال تعزيز الإيرادات العامة للدولة بعوائد استثمار أموال احتياطي الأجيال القادمة ، واعتبارها رافدا أساسيا للإيرادات العامة بالميزانية العامة للدولة الى جانب الإيرادات النفطية لتكون ركيزة في تحقيق الاستدامة المالية .
ان مثل هذا الخيار يتسق مع احكام المادة (140) من الدستور المتعلق بمبدأ شمولية الميزانية، كما سيحافظ على استمرارية تعزيز المقومات الأساسية التي حددها الدستور للمجتمع الكويتي من تنمية اقتصادية ورفع المستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين، والتي هي ذاتها الاهداف التي أكد عليها المشرع بالمرسوم بقانون رقم (106) لسنة 1976، هذا الى جانب ضمان خضوع استخدام عوائد استثمار احتياطي الأجيال القادمة لرقابة السلطة التشريعية طالما يقر استخدامها ضمن قانون الميزانية العامة السنوية ، حيث ان تعديل المادة الثالثة من المرسوم بقانون على النحو المقترح يضعف دور السلطة التشريعية الرقابي على سحب الأموال من الاحتياطي الأجيال القادمة .
كما ان هذا الخيار لن يمس بأهداف المرسوم بقانون احتياطي الأجيال القادمة، بل يؤكد على عدم المساس به والتي وضحته المادة الثالثة من بالمرسوم بقانون رقم (106) لسنة 1976 وتعديلاته، والتي لا تجيز أخذ أي مبلغ من احتياطي الأجيال القادمة، بل سيحافظ هذا الخيار على استدامه الاحتياطي من خلال فوائض الميزانية وعوائد الاحتياطي العام مستقبلا.
لذا أرى ان تكون عوائد صندوق احتياطي الأجيال القادمة رافدا أساسيا في الموازنة العامة للدولة، لا ان يتم سحب مبلغ سنوي لصالح الاحتياطي العام، هذا من خلال تعديل المادة الثانية من المرسوم بقانون بدلا من المادة الثالثة لتكون على النحو التالي (تستثمر الهيئة العامة للاستثمار أموال احتياطي الأجيال القادمة، ويضاف عائد استثماراتها الى الإيرادات العامة بالميزانية العامة للدولة).
وهذا التعديل يتسق مع توجه الإدارة المالية العامة المتعلق بتبني البدائل الفنية والمهنية في المعالجات المتعلقة باحتياطي الأجيال القادمة، مع التأكيد على ضرورة وجود برنامجا إصلاحيا شاملا للموازنة العامة للدولة يتم الاتفاق عليه بين السلطة التنفيذية والتشريعية للحفاظ على مقدّرات الأجيال القادمة وتحقيق الاستدامة المالية، والتي أكد عليها المشرع عندما ذكر بالمذكرة الايضاحية للمرسوم بقانون عبارته التالية:
(وبذلك نكون قد أوفينا الأمانة وحفظنا لأجيالنا القادمة الرسالة)