تبادل أصول الصناديق السيادية … بين الضرورة والعدالة

صحيفة الانباء 21 فبراير 2021

https://alanba.com.kw/1025228

العناوين الرئيسية:

  • اكتنف عملية تبادل أصول احتياطي العام باحتياطي الأجيال القادمة الغموض.
  • لم تكن صفقة تبادل بعض الأصول بين الصناديق السيادية صفقة عادلة لصندوق الاحتياطي العام.
  • يتطلب الامر تقييم الإجراءات التي تمت في التبادل من جميع جوانبها المالية والفنية والقانونية.

منذ ان لاحت في الأفق بوادر مشكلة شح السيولة النقدية في الخزانة العامة للدولة، حتى بادرت الأجهزة المعنية بالإدارة المالية العامة بالمضي في تنفيذ خيارات لتوفير السيولة اللازمة لتمويل عجز الموازنة العامة، وقد استنفذت تلك الأجهزة معظم الخيارات المتاحة لها وكان آخرها مبادلة أصول احتياطي العام باحتياطي الأجيال القادمة.

وقد اكتنف عملية التبادل تلك الغموض، فتارة قيل بانها عملية بيع وشراء وفق ما صرح به وزير المالية السابق والتي تمت بموجب موافقة مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار بقيمة 2.5 مليار دينار لصالح احتياطي العام، كما أكد بان تقييم الأصول تم بشكل دقيق في وقت الشراء وبالقيمة السوقية.

وتارة أخرى ينقل عن مصادر حكومية من خلال تقارير صحفية اقتصادية بانها عمليات مبادلة للأصول ونقل الملكيات وفقاً لآلية محاسبية تضمن توفير السيولة والتي تم البدء بها فعليا منذ يونيو 2020، كما أشارت ذات التقارير بان من بين تلك الاصول مؤسسة البترول الكويتية وتم التبادل بقيمتها الدفترية والتي تعادل 2.5 مليار دينار.

وفي ظل تلك التصريحات والتقارير المتضاربة حول حقيقة التبادل في الأصول بين الاحتياطي العام واحتياطي الأجيال، يثار تساؤل هنا هل ما تم بين الصناديق السيادية هي عملية بيع وشراء حقيقية، ام هي مجرد تبادل ونقل أصول فيما بينها؟ وهل يمكن ان تتم تلك العملية بهذه البساطة المطروحة؟

في رأيي ان الموضوع أكثر تعقيدا مما نتصوره، فهناك جوانب فنية ومالية وقانونية في هذه المسالة، فالأمر ليس مجرد نقل أصول دفتريا كما يتصوره البعض او كما يصوره البعض لنا، نحن امام صناديق سيادية أسست بموجب تشريعات مختلفة، وذات ذمم مالية وقانونية منفصلة وان كانت تملكها جهة واحدة ممثلة بالدولة.

 فالاحتياطي العام جاء نتيجة للمرسوم بقانون المرسوم بقانون رقم (31) لسنة 1978 بشان قواعد اعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي، اما احتياطي الأجيال القادمة فجاء بموجب المرسوم بقانون رقم (106) لسنة 1976، وكلاهما تتولى الهيئة العامة للاستثمار بإسم حكومة الكويت ولحسابها إدارة استثمار أموال تلك الاحتياطيات بموجب قانون انشاء الهيئة رقم (47) لسنة 1982.

كما ان عملية تقييم الأصول عملية معقدة فهي تخضع لمعايير وعوامل مؤثرة، فعلى سبيل المثال لو اخذنا مؤسسة البترول كأحد الأصول التي نقلت او بيعت للاحتياطي الأجيال، فان العوامل الرئيسية المؤثرة لتقييم المؤسسة تتمثل في مدى ضمان توزيع المؤسسة للأرباح، واستدامة التدفق النقدي بها وحجم الموارد التي تمتلكها، مع الاخذ بعين الاعتبار مخاطر التركيز المرتبطة بالنشاط النفطي للمؤسسة.

فهل تلك المعايير والعوامل اخذت بعين الاعتبار عند تقييم المؤسسة كحد أصول الاحتياطي العام؟

بناء على الأرقام المعلنة سواء الواردة بالتصريحات او التي اشارت اليها التقارير الاقتصادية، في رأيي ان تقييم بعض الأصول لم يكن دقيقا، كما لم يتبين انها تمت وفقا للقيمة السوقية في وقت الشراء كما قيل، وانما كان التقييم وفقا للقيمة الدفترية، فالقيمة المذكورة بالنسبة لمؤسسة البترول الكويتية في حقيقة الامر تمثل رأس مال المؤسسة عند تأسيسها بموجب المرسوم بقانون رقم (6) لسنة 1980 والذي يبلغ مليار دينار، وقد تمت زيادته ليبلغ 2.5 مليار دينار بموجب القانون رقم (54) لسنة 1982.

لذا وفي رأيي لم تكن صفقة التبادل المتعلقة بالمؤسسة والمبنية على البيع والشراء – حسب ما زعم – صفقة عادلة لصندوق الاحتياطي العام، وندلل على ذلك لو قارنا القيمة السوقية لبعض الشركات البترولية العالمية لوجدنا الفرق الشاسع في تقييمها سوقيا، وفيما يلي القيم السوقية التقريبية لتلك الشركات وفق بعض التقارير الصادرة في عام 2019 (أرامكو 1.7 تريليون دولار، شِل 225 مليار دولار، إكسون موبيل 228 مليار دولار ، توتال 141 مليار دولار، بي بي 126 مليار دولار، شيفرون 221 مليار دولار).

ومن جانب آخر، هناك تساؤل قانوني مستحق يتعلق بهذه المسالة، وهو هل يتطلب مثل تلك الصفقة (البيع والشراء) الى موافقة مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار فقط، ام يتطلب موافقة مجلس الامة المسبقة؟ فكما نعلم ان مؤسسة البترول الكويتية تأسست بموجب مرسوم بقانون مصادق عليه من مجلس الامة، وفي رأيي لا يمكن التصرف بالمؤسسة كأصل سواء تبادلا ام بيعا الا بذات الأداة التشريعية.

وهناك مسالة قانونية أخرى تتعلق بأرباح المؤسسة، فبموجب المرسوم بقانون انشاء المؤسسة فان أرباحها المتبقية بعد استقطاع نسبة الاحتياطيات تؤول الى الخزانة العامة للدولة والمتمثلة بالاحتياطي العام، ففي ظل الإجراءات التي تمت بين الصندوقين السياديين سواء كان ذلك تبادلا او بيعا وشراء في رايي لا يمكن تحويل ارباح المؤسسة الى احتياطي الأجيال الا بقانون في هذه الحالة.

وفي حال فرضية الإبقاء على تحويل أرباح المؤسسة للاحتياطي العام التزاما بمرسوم قانون انشاء المؤسسة، فان هذا الاجراء أيضا في رايي يتعارض مع احكام المرسوم بقانون رقم (106) لسنة 1976 في شان احتياطي الأجيال القادمة وتعديلاته والتي لا تجيز اخذ أي مبلغ من هذا الاحتياطي الا بقانون، باعتبار ان المؤسسة أصبحت أحد أصول احتياطي الأجيال.

لذا يتطلب الامر تقييم هذا الموضوع من جميع جوانبه المالية والفنية والقانونية، نظرا لأثره المادي على المراكز المالية والقانونية للصناديق السيادية المعنية وذلك لمزيدا من الشفافية.

فهذا ديوان المحاسبة قد ابدى ملاحظاته على هذا الموضوع من خلال تأكيده على غياب نظم وإجراءات الحوكمة في وقت اتخاذ قرار مبادلة الأصول فيما بين الاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة ، وتجدر الإشارة بان هناك تقارير أخرى تشير الى إعادة اثارة موضوع مديونية مؤسسة البترول للخزانة العامة عن أرباحها المحتجزة، لذا كيف سيتم التعامل مع هذا الموضوع في ظل عملية البيع او التبادل التي تمت بين الصندوقين؟

نُشر بواسطة bader alhammad

من مواليد الكويت عام 1964 ، حاصل على الاجازة الجامعية في تخصص المحاسبة عام 1988 بتقدير جيد جدا . بدء عمله في ذات العام بوظيفة محاسب بوزارة المالية وتدرج في المناصب الاشرافية كرئيس قسم التوجيه المحاسبي ثم مراقب مالي ثم مديرا لإدارة الرقابة المالية الى ان صدر به مرسوم اميري عام 2013 بتعينه وكيل مساعد بوزارة المالية حيث شغل منصب الوكيل المساعد لشئون الرقابة المالية . ثم عين بمرسوم اميري رئيسا لقطاع الرقابة المالية بجهاز المراقبين الماليين عند انشاءه في عام 2015 حيث شغل منصب رئيس قطاع الرقابة المالية للهيئات الملحقة والمؤسسات المستقلة خلال الفترة من عام 2016 حتى عام 2018، ومن ثم شغل منصب رئيس قطاع الرقابة المالية للوزارات والإدارات الحكومية في أكتوبر 2018 ، وبالإضافة الى عملة كلف بمنصب نائب رئيس الجهاز بالوكالة في نهاية ديسمبر 2018 حتى نوفمبر 2019.، وحاليا كاتب رأي ومتخصص في شئون المالية العامة في صحيفة الانباء الكويتية. كما شغل العديد من المناصب الأخرى محليا وخارجيا فكان عضو مجلس إدارة بنك الائتمان الكويتي، وعضو مجلس المدراء التنفيذيين للبنك الإسلامي للتنمية IDB و مجلس المديرين التنفيذيين لصندوق التضامن الاسلامي ISFD و مجلس المديرين التنفيذيين للمؤسسة الاسلامية لتامين الاستثمار وائتمان الصادرات ICIEC . هذا وقد شارك في العديد من اللجان منها الإدارية والفنية ولجان تقصي الحقائق و التحقيق محليا وخارجيا ، وله العديد من الآراء والاجتهادات الفنية التي اثرى بها العمل في مجال الرقابة المالية باعتباره احد مؤسسي نظام الرقابة المالية المسبقة بدولة الكويت ، وقد اصدر له جهاز المراقبين الماليين كتابه الأول في عام 2017 بعنوان ( بعض المسائل الفنية في قضايا الرقابة المالية ).

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: