صحيفة الانباء 7 فبراير 2021
العناوين الرئيسية
- لا خلاف على ان المشكلة المزمنة التي أصابت الاقتصاد المحلي القت بظلاله على الحالة المالية للدولة.
- الحلول والإجراءات التي سبق تقديمها قبل عقود لمعالجة الاختلالات الهيكلية أصبحت عديمة الجدوى في معالجتها في هذا الوقت.
- اجمع المختصين على ان أساس المشكلة تأثر القرارات الاقتصادية والمالية بالقرارات السياسية شعبوية الطابع.
- ان القرارات والممارسات المالية الحالية لا تتسق مع رؤية ورسالة الإدارة المالية للدولة، ولا مع وثيقة اصلاحاتها المالية.
- الاثار المالية لقانون قوة الإطفاء العام رقم 13 لسنة 2020 أحد الأمثلة على القرارات السلبية.
عندما نتطرق للتحديات التي تواجه الدولة واقصد هنا التحديات المالية والاقتصادية، دائما يتزامن هذا الحديث مع المطالبة بوجوب قيام الدولة بإصلاحات هيكلية لمعالجة الاختلالات المالية والاقتصادية ،والتي تواجه الإدارة المالية العامة للدولة وتأثر سلبا على مركزها المالي ، ونرى ان هناك اتفاق تام من ان المشاكل المزمنة التي أصابت الاقتصاد المحلي القت بظلالها على الحالة المالية للدولة، وان استمرار هذا الوضع منذ عدة عقود من الزمن على الرغم من توافر الحلول التي كانت كفيلة بمعالجة تلك الاختلالات في وقتها ، الا ان تلك الحلول اصبحت ضعيفة الاثر إن لم تكن عديمة الجدوى في معالجة بعض تلك الاختلالات في وقتنا الراهن.
وقد اجمع كل المختصين اكانوا اقتصاديين ام ماليين على ان التعامل مع الملفات الاقتصادية والمالية الشائكة لم يكن بالقدر المطلوب في الفترة السابقة، بسبب تأثر القرارات الاقتصادية والمالية بالقرارات السياسية الشعبوية ، وذلك في ظل استمرار بقاء الموازنة العامة للدولة رهينة لمورد وحيد وناضب وهو النفط، الامر الذي انعكست تلك القرارات على تضخم مصروفات الموازنة العامة للدولة، والتي تضاعفت خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا بشكل ملحوظ لدرجة أصبحت خارج السيطرة حتى قفزت تقديراتها الى ما يزيد عن 23 مليار دينار في مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2021/2022 وبنسبة تزيد عن 210% من الإيرادات المقدرة .
وانعكاسا لتلك القرارات السياسية الشعبوية لم تتخذ في رأيي الادارة المالية العامة للدولة أي إجراءات حقيقية وحصيفة لمعالجة تلك الاختلالات المالية، الامر الذي تفاقم معه العجز في الموازنة العامة للدولة مما أنهك سيولة الاحتياطي العام، واضطرت معه الإدارة المالية العامة الى اجراء عمليات تبادل بين أصول الاحتياط العام واحتياطي الأجيال القادمة، بالإضافة الى وقف استقطاع النسبة المقررة لصالح احتياطي الأجيال القادمة ، وهي اجراءات ذو أثر وقتي لا تحقق الاستدامة المالية على المدى البعيد.
كما ان قانون الدين العام والذي انتهت مدته لم يكن قادر على معالجة الموقف المالي للموازنة العامة للدولة من حيث توفير السيولة اللازمة، مما اضطرت معه الدولة الى التقدم بقانون جديد وبسقف جديد لمواجهة مشكلة السيولة النقدية والذي لم يتم تمريره حتى الان من قبل مجلس الامة، لا من اجل معالجة أصل المشكلة.
ومن المستغرب بان الإدارة المالية العامة للدولة تتفق بالراي تماما مع المختصين بشأن تلك الاختلالات الاقتصادية والمالية، بل انها قد اعتمدت نهجا للإصلاحات المالية بالإدارة المالية العامة للدولة، وذلك من خلال رؤيتها المتعلقة بتحقيق الاستقرار المالي لتحقيق تنمية مستدامة، وكذلك من خلال رسالتها التي تستهدف الاستقرار المالي لتحقيق الأهداف التنموية للدولة عبر تنفيذ سياسات مالية مناسبه، ومن خلال التعاون الاقتصادي والتطوير المؤسسي وترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية.
ولم يقف ذلك عند هذا الحد بل سبق ان قدمت الإدارة المالية العامة للدولة وثيقة للإصلاحات المالية والاقتصادية والتي كانت في هذا الاتجاه وترتكز الى ستة ركائز وهي:
- الإصلاح المالي.
- اعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد الوطني.
- زيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.
- مشاركة المواطنين في تملك المشروعات.
- اصلاح سوق العمل ونظام الخدمة المدنية.
- الإصلاح التشريعي والمؤسسي والإجراءات المساندة.
الا ان واقع الحال يقول ان القرارات والممارسات المالية لا تتسق مع رؤية الإدارة المالية للدولة تلك، ولا مع رسالتها، ولا ترتكز الى ركائز وثيقة للإصلاحات المالية والاقتصادية المقدمة من قبلها سالفة الذكر.
ولقد سبق ان أشرنا في أحد مقالاتنا السابقة مثالا على تلك القرارات والممارسات، ولا ضير ان نستشهد هنا مرة أخرى بممارسة حديثة لنؤكد وجهة نظرنا.
فهذا قانون قوة الإطفاء العام رقم 13 لسنة 2020 الصادر في 31 أغسطس 2020، والذي صدر ضمن مجموعة قوانين في أواخر دور الانعقاد السابق لمجلس الامة ، حيث سجل هذا القانون ضمن إنجازات المجلس، هذا ولا يختلف أحد مع راي المشرع على أهمية مرفق الإطفاء العام في توفير الحماية اللازمة لمصادر الثروة الوطنية والارواح والممتلكات من الحرائق والكوارث، وان هذا المرفق يحقق للدولة الحفاظ على مقدراتها ومكتسباتها والامن والأمان لمواطنيها.
ولا اقلل من أهمية ودور مرفق الإطفاء العام لكن تلك الأهمية التي اشار اليها المشرع ليس مقصورة على هذا المرفق دون غيره من المرافق ، فان كافة مرافق الدولة تشارك بعضها البعض في توفير الحماية اللازمة لمصادر الثروة الوطنية والارواح والممتلكات من الحرائق والكوارث، سواء كانت تلك المرافق تقدم خدمات الامن كالجيش والشرطة والحرس الوطني، او تقدم الخدمات الصحية وغيرها ن المرافق الأخرى.
فمثل تلك القوانين يترتب عليها تحميل الموازنة العامة للدولة بأعباء مالية إضافية كبيرة، على الرغم من التوجيهات العامة المتعلقة بالشئون المالية بالدولة المتمثلة بقرارات مجلس الوزراء المتعلقة بضبط وترشيد الانفاق ومعالجة الاختلالات التي يتعرض لها الاقتصاد الوطني كالقرار رقم (51/2014) والقرار رقم (728/2020) على سبيل المثال لا الحصر، وعلى الرغم من ان الأهداف الواردة بخطة التنمية السنوية 2020/2021 تتضمن معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الكويتي والحد من الانفاق الجاري.
لقد منح قانون قوة الإطفاء العام الوزير المختص تحديد الهيكل التنظيمي لقوة الإطفاء العام بعد ان اخرجها المشرع من هيمنة مجلس الخدمة المدنية في هذا الشأن، مما سيترتب عليه خلق هيكل تنظيمي وفقا لما يراه الوزير المختص دون النظر لراي وموافقة مجلس الخدمة المدنية كجهاز فني معني في هذا الشأن، الامر الذي يؤثر حتما على كلفة الوظائف الاشرافية المقرر لهذا الهيكل.
كما قرر القانون انشاء مستشفى طبي متكامل يضم كافة التخصصات لرعاية أعضاء قوة الإطفاء واسرهم حتى الدرجة الأولى صحيا وطبيا، على ان يضم المستشفى معمل تحاليل طبية وفقا للمعاير الدولية ومزودا بأحدث الأجهزة، مما سيضيف هذا عبئا إضافيا أيضا على مصروفات الدولة من كلفة مالية سواء كانت رأسمالية او تشغيلية، هذا بالإضافة الى تكاليف الإيفاد للعلاج بالخارج بالنسبة لمنتسبي قوة الإطفاء واسرهم من الدرجة الأولى ، وفي رايي كان الاجدر ماليا واقتصاديا ان يتم تطوير المنظومة الصحية الحالية المقررة للقوات المسلحة ممثلة بالمستشفى العسكري لتشمل خدماته كافة القوى العسكرية النوعية ( الجيش ، الشرطة، الحرس الوطني ، الإطفاء ).
ولم يقف ذلك عند هذا الحد بل امتد أيضا الى زيادة الأعباء المالية المتعلقة بإضافة استحقاقات مالية لأعضاء قوة الإطفاء ضمن اللائحة التنفيذية للقانون الصادرة بالقرار الوزاري رقم 13 لسنة 2020 بتاريخ 3 ديسمبر 2020 المنشورة بجريدة كويت اليوم بتاريخ 6 ديسمبر 2020 ، على الرغم من انه لم يرد نص بالقانون يحيل للائحة التنفيذية بشان تلك الاستحقاقات ، حيث ما ورد بالقانون وفق المادة 24 منه هو نقل أعضاء قوة الإطفاء بالإدارة العامة للإطفاء الى قوة الإطفاء العام بذات أوضاعهم ودرجاتهم ومزاياهم الوظيفية للرتب المعادلة لدرجاتهم التي كانوا يشغلونها فقط ، الامر الذي قد يجعل بعض احكام اللائحة التنفيذية في رايي على الرغم من كلفتها محل شبهة عدم دستوريتها ، حيث لا يجب ان تتضمن اللائحة التنفيذية اية احكام تضيف او تلغي او تعدل على احكام القانون .
ختاما .. نؤكد على ضرورة وأهمية ان نواجه التحديات التي تتعرض لها الموازنة العامة للدولة بقرارات جريئة، قد تكون تلك القرارات موجعة نتيجة للتأخر في تطبيق الإصلاحات المالية للاختلالات التي تعاني منها، الا انها بلا شك سيتم امتصاص أثرها مع مرور الوقت وستكون كفيلة لتحقيق الاستدامة المالية للمالية العامة للدولة على المدى البعيد.
فالإصلاحات المالية يجب ان تكون نهجا قبل ان تكون شعارا.