صحيفة الانباء 25 يناير 2021
على الرغم من تتعدد الأجهزة الرقابية بالدولة باختلاف نوعية رقابتها، الا انها تجتمع تلك الأجهزة على هدف رئيسي وهو حماية وصيانة الأموال العامة من المساس، سواء كان ذلك متعلق بالجانب المالي او الإداري على حد سواء، لذلك يركّز المشرع في قوانين انشاء الأجهزة الرقابة المختلفة على التأكيد على أهمية دور تلك الأجهزة في الحفاظ على الأموال العامة متمثلة بموارد الدولة المختلفة.
فنجد في قانون انشاء ديوان المحاسبة رقم 30 لسنة 1964 وتعديلاته قد أكد المشرع بان الهدف الأساسي من إنشائه، وفقا لما جاء بنص المادة الثانية من القانون هو تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة لصونها ومنع العبث بها، والتأكد من استخدامها الاستخدام الأمثل في الأغراض التي خصصت لها.
اما جهاز المراقبين الماليين المنشأ بموجب القانون رقم 23 لسنة 2015، فأكد المشرع بان مستهدفات القانون وفقا لما جاء بنص المادة الثامنة منه هي تحقيق رقابةٍ مسبقةٍ فعالةٍ على الأداء المالي للدولة، وضمان الشفافية والنزاهة والوضوح في الأداء المالي العام، وتعزيز المصداقية والثقة بالإجراءات المالية.
وجاء القانون رقم 19 لسنة 2000 في شأن دعم العمالة الوطنية وتشجيعها للعمل في الجهات غير الحكومية، ليعزز الرقابة الإدارية من خلال وضع نظام لتعيين مراقبين لشؤون التوظف بالوزارات والادارات الحكومية والجهات الملحقة تابعين لديوان الخدمة المدنية.
ومن جانب آخر وبناء على القانون رقم 47 لسنة 2006 بشان الموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي اعتمدتها الجمعية العامة في اكتوبر 2003 ، تم انشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد بموجب القانون رقم 2 لسنة 2016 ،حيث حدد المشرع اهداف الهيئة الرئيسية ، و أهمها أرساء مبدأ الشفافية و النزاهة في المعاملات الاقتصادية والإدارية ،بما يكفل تحقيق الادارة الرشيدة لأموال وممتلكات الدولة والاستخدام الأمثل لها ،وحماية أجهزة الدولة من الرشوة و المتاجرة بالنفوذ و سوء استخدام السلطة لتحقيق منافع خاصة ،ومنع الواسطة و المحسوبية والذي اعتبرها المشرع من جرائم الفساد في نطاق تطبيق أحكام هذا القانون .
كما تناول القانون مهام واختصاصات الهيئة بتلقي التقارير والشكاوى والمعلومات بخصوص جرائم الفساد المقدمة اليها ودراستها، وفى حال التأكد من أنها تشكل شبه جريمة يتم أحالتها الى جهة التحقيق المختصة، وكذلك أيضا طلب التحري من الجهات المختصة عن وقائع الفساد المالي والإداري والكشف عن المخالفات والتجاوزات وجمع الأدلة المتعلقة بها.
كما أن من السلطات الممنوحة للهيئة كما ورد في اللائحة التنفيذية طلب المعلومات والتقارير من الجهات المختصة بموضوع البلاغ والاطلاع على الملفات والعقود والوثائق ذات الصلة وضبطها، وإذا لزم الأمر يتم فحص وتدقيق المستندات والأدلة المرفقة بالبلاغات والشكاوى المقدمة للهيئة، ومراجعة تقارير الاجهزة الرقابية وأي تقارير أخرى تشير الى وقائع فساد بالتنسيق معها، واتخاذ ما يلزم بشأنها.
ويتضح مما سبق ذكره مدى تطابق مستهدفات الأجهزة الرقابية واهمية تكامل أدوارها، خاصة بعد انشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد، حيث فرض انشاء الهيئة واقعا جديدا على الأجهزة الرقابة والذي لم يقتصر دورها فقط على رصد المخالفات وتضمينها تقاريرها السنوية، وانما يمتد دورها الى التنسيق مع هيئة مكافحة الفساد لتمكينها من القيام بدورها الذي رسمه لها قانون انشاءها ولائحة التنفيذية.
فما قامت به الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة) وديوان المحاسبة مؤخرا من توقيع مذكرة تعاون مشترك من أجل تحقيق رقابة فعالة للحد من التعديات على المال العام ،وتعزيز قدراتهما في مكافحة الفساد نظرا لتشارك الأهداف فيما بينهما ، وكذلك اتفاقهما على اتخاذ التدابير القانونية اللازمة لمكافحة الجرائم المنصوص عليها في المادة 22 من قانون الهيئة العامة لمكافحة الفساد ولائحته التنفيذية ، وإعداد البرامج والخطط التأهيلية والتدريبية لكوادر الطرفين وتبادل حضور الدورات التدريبية وورش العمل التي يعقدها الطرفان في مجالات مكافحة الفساد وأعمال التدقيق المالي ، انما يأتي تأكيدا الى ما ذهب الى المشرع من تحديد الأغراض التي من اجلها انشئت مثل تلك الأجهزة ،ودورها التكاملي لتحقيق تلك الأغراض .
كما يأتي ذلك أيضا في سياق قرارات مجلس الوزراء الهادفة الى تعزيز التعاون فيما بين الأجهزة الرقابية المختلفة بالدولة، وصولا الى انشاء منصة تجمع كافة الأجهزة الرقابية، والتي أيضا أشارت اليها تلك القرارات.
ولعل ما قام به ديوان المحاسبة من أحالت 36 بلاغاً وموضوعاً للهيئة العامة لمكافحة الفساد، وكذلك ما احالته الهيئة من موضوعات الى ديوان المحاسبة والبالغ عددها 17 موضوعا، يجسد تماما مقاصد المشرع في هذا الشأن، والذي يؤكد على أهمية فتح قنوات تواصل بين الأجهزة الرقابية لتحقيق الأهداف المشتركة والمصلحة العامة.
لذا نأمل من ان نرى مثل هذا التعاون فيما بين الأجهزة الرقابية الأخرى كجهاز المراقبين الماليين وديوان الخدمة المدنية ممثل بقطاع شئون التوظف من جهة، والهيئة العامة لمكافحة الفساد من خلال ابلاغ الهيئة بالموضوعات الي تأتي في سياق الفساد المالي والإداري.
فمن غير المعقول ان يكون هناك تعاون بدرجة عالية فيما بين جهاز يتبع السلطة التشريعية ممثل بديوان المحاسبة وجهاز يتبع السلطة التنفيذية ممثل بالهيئة العامة لمكافحة الفساد، ولا نرى مثل درجة هذا التعاون فيما بين الأجهزة الرقابية ضمن السلطة التنفيذية خاصة في ظل قرارات مجلس الوزراء في هذا الشأن!!