صحيفة الانباء 17 يناير 2021
تضمنت محاور الأولويات الحكومية في برنامج عمل الحكومة 2021-2024 ما يتعلق بتحقيق الاستدامة المالية العامة، حيث ترى الإدارة المالية العامة ان تحقيق الاستدامة تتمحور في ثلاثة ركائز أساسية وهي:
1 – تطوير الإدارة المالية العامة.
2 – ترشيد الانفاق الحكومي.
3 – تعظيم إيرادات الدولة.
وفي رأيي ان الإدارة المالية العامة للدولة قادرة على تحقيق نجاحات سريعة وذات أثر ملموس وسريع، إذا ما حددت أولوياتها بشكل جيد ومدروس في تنفيذ برامج الإصلاحات ضمن الركائز التي تم تحديدها، خاصة في المسائل التي يتفق فيها مجلس الامة بسلطتيه التنفيذية والتشريعية.
وحتى نوضّح هذا الراي سوف اتناول مسالة يمكن من خلالها ان نبيّن كيف يمكن تحقيق مثل تلك النجاحات السريعة لتنفيذ برامج إصلاحات مالية قادرة على تمكين الإدارة المالية العامة من تحقيق الاستدامة المالية.
لقد ورد ضمن محور ترشيد الانفاق في برنامج عمل الحكومة ما يتعلق باستهداف خفض البنود المالية ضمن الميزانية العامة، والتي لا تؤثر على كفاءة اعمال الجهات الحكومية، وذلك بوضع سقف للموازنة العامة لا يتجاوز 19 مليار دينار، بالإضافة الى وضع حد أدني لبند تكلفة العلاج بالخارج واقتصارها على الحالات الطارئة والتي تقررها الجهات المختصة.
ومن جانب آخر إذا ما رأينا كلفة التامين الصحي للمتقاعدين الكويتيين (عافية ) فإنها تقّدر بمبلغ 150 مليون دينار سنويا، وتتحملها الخزانة العامة للدولة من خلال ميزانية وزارة الصحة السنوية، وتلك التكلفة في زيادة مطّردة نظرا للزيادة في اعداد المتقاعدين السنوية، هذا بخلاف كلفة علاج المواطنين بالخارج ممن هم من شريحة المتقاعدين.
وبالاطلاع على التشريعات المنظمة للتقاعد والتي بدأت الكويت العمل بها منذ منتصف القرن الماضي، والتي تشمل المدنيين والعسكريين وبموجبها تم انشاء مؤسسة التأمينات الاجتماعية، فان تلك التشريعات تنظم شئون المتقاعدين بمفهومها الواسع، والذي يشمل تأمين الشيخوخة والعجز والمرض والوفاة للعاملين المدنيين فـي القطاع الحكومي وفـي القطاعين الأهلي والنفطي، وكذلك العاملين لحسابهم الخاص ومن فـي حكمهم وتامين إصابات العمل، هذا وان تم تأجيل العمل ببعض الخدمات التأمينية بموجب تشريعات خاصة.
وبالتالي فان المؤسسة تختص في إدارة وتنظيم كل ما يتعلق بالمواطنين الكويتيين المسجلين لديها من خلال الصناديق التي تم انشاءها لهذا الغرض.
لذلك نرى ان مؤسسة التأمينات الاجتماعية سواء من خلال التشريعات القائمة او من خلال تعديل بعضها هي الاقدر والاجدر تشريعيا وفنيا بان تتولى ادارة وتنظيم التامين الصحي للمواطنين المتقاعدين المسجلين بالتأمينات الاجتماعية، الامر الذي يخفف عن كاهل الميزانية العامة للدولة تكلفة التامين الصحي لهم سواء كان هذا يتعلق بالعلاج محليا او خارجيا.
ومن جانب آخر ان إدارة المؤسسة لملف التامين الصحي للمتقاعدين يتحقق معها جانب الحوكمة في إدارة هذا الملف، حيث تتمتع المؤسسة بالإمكانيات الفنية والكوادر البشرية المطلوبة التي تمكّنها من التعامل مع هذا الملف على قدر عالي من الكفاءة وحسن الأداء، ويكاد يكون نموذج العمل الذي تطبقه المؤسسة أقرب الى أسلوب القطاع الخاص منه الى القطاع العام.
وقد اثبتت مؤسسة التأمينات الاجتماعية كفاءتها من خلال ادارتها لأنشطتها المقررة وفق قانون انشائها على النحو المطلوب، وما يدلل على ذلك إعلانها مؤخرا عن اداءها الاستثماري للربع الثاني من السنة المالية 2021/2020، محققة بذلك أرباحا بلغت 4.7 مليارات دولار وبنمو 611% عن نفس الفترة من العام الماضي، ليبلغ إجمالي الأرباح المحققة في النصف الأول من هذا العام 12.1 مليار دولار وبنمو يبلغ 362% عن نفس الفترة من العام الماضي، وهو أفضل أداء استثماري في تاريخ المؤسسة وفقا لما أعلنته.
لذا على الإدارة المالية العامة في سبيل تحقيق ركائزها المتعلقة بترشيد الانفاق الحكومي وتطوير الإدارة المالية ان تعيد النظر في بعض سياساتها المالية ،ومنها ما يتعلق بالإصلاحات الهيكلية وذلك بإعادة النظر في إدارة بعض الأنشطة على نحو الذي يحقق اعلى أداء وكفاءة، كنقل إدارة وتنظيم التامين الصحي للمتقاعدين من وزارة الصحة الى مؤسسة التأمينات الاجتماعية ، والذي سيحقق في راينا تخفيضا سنويا في الميزانية العامة للدولة ما بين 150-200 مليون دينار سنويا على المدى المتوسط ، في ظل تسجيل عجز في تنفيذ الموازنة الجارية وفق آخر تقرير صادر من وزارة المالية والذي يشير الى وجود عجز يبلغ 4.7 مليار دينار حتى نهاية شهر نوفمبر الماضي ، كما تشير احدى التقارير المنشورة من ان العجز المقدر والذي سيسجل في نهاية السنة المالية الجارية يبلغ نحو 11 مليار دينار ويشكل 27% من حجم الناتج المحلي الإجمالي عن عام 2019 .