صحيفة الانباء 4 يناير 2021
تأتي أهمية هيمنة مجلس الخدمة المدنية على نظام شئون التوظّف لما تشكّل قرارات المجلس وسياساته من أثر كبير على الموازنة العامة للدولة خاصة فيما يتعلق بباب المرتبات، فمجلس الخدمة المدنية هو المعني عن السياسة العامة للمرتبات والأجور بما يكفل التنسيق بين الجهات والمؤسسات الحكومية المختلفة، بل امتدت مسئوليته في هذا الشأن الى الشركات التي تساهم فيها الدولة بأكثر من نصف رأسمالها، كما هو المسئول عن التطوير الإداري للدولة.
من جانب آخر فمجلس الخدمة المدنية هو المختص عن التشريعات المتعلقة بالخدمة المدنية وابداء الراي بشأنها وإصدار التفسيرات الملزمة للجهات والمؤسسات الحكومية، كما هو المعني في ابداء الراي في مشروعات انشاء الجهات والهيئات والمؤسسات العامة، وكذلك الرقابة على نظم شئون التوظف بالجهات الحكومية وغيرها من المسئوليات والاختصاصات الموضحة بالقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية.
وقد القى برنامج عمل الحكومة 2021/2024 الذي اشارت اليه صحيفة الانباء مؤخرا العديد من المسئوليات على عاتق مجلس الخدمة المدنية، بهدف تحقيق رؤية الكويت 2035 في تحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار، والذي يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي، ومن تلك المسئوليات التي وردت بأولويات الحكومة هي إعادة هيكلة الجهاز الحكومي ودمج او الغاء الجهات الحكومية ذات القيمة الغير مضافة.
وقد أسند برنامج الحكومة لديوان الخدمة المدنية الاشراف على تنفيذ استراتيجية التوظيف الوطنية والتي تتضمن اصلاح هيكل الأجور في القطاع العام، وتوحيد سياسة الأجور وموائمة هيكل الأجور بين القطاعين العام والخاص.
وعلى الرغم من الاختصاصات والمسئوليات التي منحها المشرع لمجلس الخدمة المدنية في سبيل تحقيق هيمنة المجلس على السياسة العامة لشئون التوظف، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بسياسة الأجور والمرتبات الا انه في رأينا هناك قصور واضح في دور مجلس الخدمة المدنية في احكام دوره fهذا الشأن.
واول جانب من هذا القصور صدور العديد من التشريعات التي منحت عدد من الجهات والمؤسسات الحكومية سلطات مجلس الخدمة المدنية دون أي مبررات موضوعية، الامر الذي أخل بنظام العدالة والمساواة بالأجور والرواتب وتكافئ الفرص بين العاملين بالجهات والمؤسسات الحكومية بما في ذلك القطاع الخاص ،والتي هي أحد المبادئ التي أسسها دستور دولة الكويت، فاذا كان برنامج الحكومة يستهدف موائمة هيكل الأجور بين القطاعين العام والخاص فانه من الأولى ان يكون موائما فيما بين الجهات والمؤسسات الحكومية قبل النظر الى هيكل الأجور بالقطاع الخاص .
اما الجانب الاخر من القصور فهو يتعلق بمبدأ وحدة المسئولية ،واعني هنا مسئولية الاشراف على اعداد وتنفيذ الميزانية العامة للدولة والرقابة عليها ،حيث ان ديوان الخدمة المدنية يتبع مجلس الوزراء وفقا للقانون (تم نقل التبعية لوزير الدولة للشئون الاقتصادية) ، في حين ان باقي الجهات المعنية بمكونات الموازنة العامة مسئول عنها وزير المالية ، لذا نرى من الجانب الفني والموضوعي ان يكون اشراف وزير المالية كامل على مكونات الموازنة العامة للدولة ، وذلك لما بين شؤون التوظف وشؤون المال من علاقة وثيقة، وحتى يكون وزير المالية هو من يمثل ديوان الخدمة المدنية امام مجلس الوزراء.
اما القصور الأخير الذي نراه فهو يتعلق بمبدأ الشمولية والمقصود هنا ان تشمل مسئولية مجلس الخدمة المدنية السياسة العامة للمرتبات والأجور مهما اختلفت نظم شئون التوظف في الجهات والمؤسسات الحكومية، فنرى ان المشرع بالقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية استثنى العسكريين من احكام القانون، الامر الذي أخل بمفهوم التنسيق الكامل بين الجهات والمؤسسات الحكومية والمؤسسات العسكرية في شان شئون التوظف، خاصة في ظل مسؤولية وزير المالية المتعلقة بالاستحقاقات المالية للقوات العسكرية وفقا للقوانين المنظمة للمؤسسات العسكرية.
لذا يجب ان تكون هيمنة مجلس الخدمة المدنية هيمنة كاملة على سياسة المرتبات والأجور لكافة قطاعات الدولة، وذلك حتى تتمكن الدولة من ضبط التناسق العام لجدول المرتبات والأجور على مستوى الدولة، خاصة في ظل تبني الدولة لسياسات إصلاحية هيكلية ذات أثر مالي واقتصادي.