صحيفة الانباء في 8 نوفمبر 2020
العناوين الرئيسية:
- عدم اتساق بعض أحكام قانون حماية المنافسة الذي اقره مجلس الامة مؤخرا مع التوجهات الإصلاحية التي تتبناها الدولة.
- ان القانون تم إنجازه واقراره دون مراجعة موضوعية وتجلى ذلك بالملاحظات التي وردت بأحكامه.
- ان العبرة ليس في عدد التشريعات التي تصدر بقدر موضوعية احكامها وجودة مضمونها واتساقها مع البرامج الإصلاحية.
ارتكزت وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي التي تبنتها الدولة على عدة ركائز، وتهدف تلك الركائز الى معالجة عدد من المسائل الجوهرية منها الحد من الاعتماد الكلي على مصدر وحيد للدخل والمتمثل بمبيعات النفط، وكذلك تبني برامج التي من شانها تنويع مصادر الدخل ووقف الهدر المالي بما يحقق التوازن الاقتصادي، الامر الذي يتطلب معه تطبيق إصلاحات هيكلية وتشريعية ومؤسسية.
فمن جانب المصروفات فتضمنت الإصلاحات وقف انشاء أجهزة حكومية او هيئات عامة جديدة، وكذلك وقف التوسع في الهياكل التنظيمية، بالإضافة الى إلغاء عضوية الأعضاء المتفرغين بعد انتهاء مدتهم الحالية في المؤسسات والهيئات العامة.
الا ان مجلس الامة قد اقر مؤخرا القانون رقم 72 لسنة 2020 في شان حماية المنافسة، والذي نشر بجريدة كويت اليوم بتاريخ الأول من نوفمبر 2020، بما لا تتسق بعض أحكامه مع التوجهات الإصلاحية التي تتبناها الدولة على النحو الذي أشرنا اليها.
فبعد ان كان الجهاز ملحق بوزير التجارة والصناعة وفقا للقانون رقم 10 لسنة 2007 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 2012، وتدرج الاعتمادات اللازمة للجهاز المشار إليه ضمن اعتمادات الباب الخامس بميزانية وزارة التجارة والصناعة، أصبح للجهاز وفقا للقانون الجديد ميزانية مستقلة تدرج تحت قسم خاص بالميزانية العامة للدولة، كما استمر العمل بأسلوب الأعضاء المتفرغين في مجلس إدارة الجهاز.
وفي تعديل لافت على القانون السابق لجهاز حماية المنافسة فقد منح القانون الجهاز سلطة إقرار الهيكل التنظيمي للجهاز وإصداره بقرار من الوزير، كما منحه سلطة اصدار اللوائح المالية والإدارية المتعلقة بشئون الموظفين دون التقيد بأحكام قانون ونظام الخدمة المدنية، وكذلك منح القانون الوزير تحديد مكافأة والمزايا المالية الأخرى للمدير التنفيذي للجهاز، وتلك السلطات هي أصلا سلطات مقررة لمجلس الخدمة المدنية وفقا للمرسوم بقانون 15 لسنة 1979 بشأن نظام الخدمة المدنية استنادا الى المادة 155 من الدستور.
ومن جانب اخر يتبين بان القانون قد تم إنجازه واقراره في وجهة نظري دون مراجعة موضوعية، وقد تجلى ذلك في الملاحظات التي وردت به، ومنها:
- وردت ضمن اختصاصات جهاز المنافسة موضوعات غير مرتبطة بمستهدفات انشاء جهاز متخصص، وانما مرتبطة باختصاصات جهات تنفيذية داخل الجهاز او مسئولية المكلفين بصفة وظيفية كرئيس مجلس إدارة الجهاز او المدير التنفيذي، وعلى سبيل المثال اختصاص اعداد تقرير سنوي عن أنشطة الجهاز وخطته المستقبلية للعرض على المجلس، واعداد مشروع الميزانية السنوية والحساب الختامي للجهاز.
- صنف القانون جهاز حماية المنافسة ضمن ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية وللجهاز مجلس إدارة، ويتولى رئيس الجهاز تمثيله امام القضاء والغير، وفي ذات الوقت للجهاز مديرا تنفيذيا متفرغ، كما يحق لرئيس الجهاز ان يفوض المدير التنفيذي في بعض اختصاصاته، ومن غير الواضح أساس ذكر المسمى ( رئيس الجهاز ) في المادة 20 من القانون على الرغم عدم ورود هذا التعريف ضمن التعريفات المذكورة بالمادة الأولى من القانون ، حيث ورد بالمادة المشار اليها المسمى ( رئيس المجلس ) ، وفي المذكرة الايضاحية ذكر بان رئيس مجلس الإدارة هو رئيس الجهاز ، كما انه من غير الواضح ماهي المستويات الإدارية التي يصنّف على اساسها كل من رئيس مجلس الإدارة و رئيس الجهاز ( بافتراض ان هذا المسمى موجود ) والمدير التنفيذي للجهاز، وذلك حتى يتم تحديد الاحكام التي تنطبق على تلك الوظائف وفقا لنظام الخدمة المدنية.
- نص القانون على ان يعين المدير التنفيذي بقرار من الوزير، في حين نص القانون السابق بان يصدر بتعيينه وتحديد درجته المالية مرسوم بناء على عرض وزير التجارة والصناعة، مما اضحى معه بان تلك الوظيفة لا تعتبر من ضمن الوظائف القيادية المحدد اشتراطاتها في احكام المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن نظام الخدمة المدنية.
- نظرا لاشتراط القانون بان لا تقل خبرة المدير التنفيذي عن 10 سنوات، فان سنوات الخبرة المطلوبة تلك تعادل الخبرة المطلوبة لشغل وظيفة مدير إدارة ومن في حكمة وفقا لقرار مجلس الخدمة المدنية رقم 25 لسنة 2006 بشأن شروط شغل الوظائف الاشرافية، وما يعزز ذلك الراي هو ان اداة تعيين المدير التنفيذي قرار وزاري وليس مرسوم اميري ، وبالتالي سينعكس ذلك بالتبعية على الهيكل التنظيمي للجهاز والمزمع اصداره، بحيث لا تزيد مستويات الوحدات الإدارية بالجهاز عن مستوى إدارة ، هذا كما ننوه بان احكام القانون اشترطت بان مجال خبرة المدير التنفيذي في مجال العلوم الاقتصادية او القانونية ، اما المذكرة الايضاحية نصت على ان مجال الخبرة تكون في العلوم الاقتصادية والقانونية معا ، وقد اشترطت المذكرة الايضاحية بان تكون الأولية لذوي الخبرة في مجال المنافسة ، في حين لم يرد هذا الشرط ضمن حكم المادة المعنية بالقانون .
- لم يتبين مغزى النص بالقانون بان المدير التنفيذي يقرر له مكافأة وليس راتب كما هو متعارف عليه، حيث ان المكافئات تقرر عادة اما لأعضاء مجلس الإدارة او للمستعان بهم.
- نص القانون بان المدير التنفيذي مسئولا امام مجلس الإدارة عن تنفيذ قرارات المجلس ، وبذات الوقت نص القانون أيضا على اختصاصات رئيس المجلس والتي منها ومتابعة تنفيذ قرارات المجلس ، مما اضحى معه عدم وضوح التراتبية الإدارية بالنسبة للمدير التنفيذي تجاه رئيس المجلس من جهة والمجلس من جهة اخرى في هذا الاختصاص .
- لم يتبين أيضا مغزى بان يحدد بقرار الوزير بشأن انشاء مجلس تأديب مكافأة أعضاء اللجنة، حيث تم الإشارة أيضا الى تحديد بدلاتهم، وهذا امر مستغرب حيث لا توجد ممارسة سابقة بان تحدد بدلات بالإضافة الى المكافئات لأعضاء اللجان (ملاحظة تم النص بالقانون الى إقرار مكافأة وبدلات لأعضاء اللجنة في حين ان القانون نص على انشاء مجلس وليس لجنة).
- في رايي وقع المشرع في خطأ تشريعي جسيم فيما يتعلق بتحديد نوع ميزانية الجهاز ، ففي المادة 23 من القانون حددت بان الجهاز وحدة إدارية ( قسم خاص ) ضمن ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية ، في حين اعتبرت المادة 24 من القانون بان الجهاز وحدة إدارية في سياق الهيئات والمؤسسات الحكومية والتي تمول من ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية ، وتبين ذلك من خلال موارد الجهاز الموضحة بالمادة المذكورة ، بحيث يخصص للجهاز تمويل من الميزانية العامة للدولة بالإضافة الى ما يحصله الجهاز من ايراداته الذاتية، باعتبار الإيرادات الذاتية لا تورد للخزانة العامة للدولة ،وانما يتم الاحتفاظ بها لدى الهيئة او المؤسسة العامة ، ويتم تمويل الفرق بين الإيرادات والمصروفات من الميزانية العامة للدولة.
- اشارت المذكرة الايضاحية للقانون بان المادة 22 تناولت اختصاصات المدير التنفيذي، واجازت له بان يفوض أيا من نوابه في بعض اختصاصاته، في حين ان النص الواردة في المادة 22 من القانون لم تتناول اية إشارة الى وجود نواب للمدير التنفيذي للجهاز.
- اشارت المذكرة الايضاحية للقانون بان المادة 23 تناولت بان يكون لرئيس الجهاز الاختصاصات المخولة لوزير المالية فيما يتعلق باستخدام الاعتمادات المقررة بميزانية الجهاز وتنظيم أعماله وشئون موظفيه، في حين ان النص الواردة في المادة 23 من القانون لم تشير الى تلك العبارة لا من قريب ولا من بعيد ، هذا بعد الاخذ بعين الاعتبار مشكلة تعريف رئيس الجهاز والتي تم الإشارة الى سابقا .
ختاما نود التأكيد بان العبرة ليس في عدد التشريعات التي تصدر بقدر موضوعية احكامها وجودة مضمونها واتساقها مع البرامج الإصلاحية التي تنتهجها الدولة.