صحيفة الانباء 4 سبتمبر 2020
( اللقاء كامل الذي لم يبث الا جزء منه بالبرنامج )
قام تلفزيون الكويت ببرنامجه (ماذا بعد؟) بتسليط الضوء على قضية مكافحة الفساد، من خلال الأدوار التي تقوم بها أجهزة الرقابة المالية، حيث استضاف البرنامج مسئولي كل من ديوان المحاسبة وإدارة الفتوى والتشريع وجهاز المراقبين الماليين وجهاز المناقصات العامة، باعتبارهم ركائز الأجهزة الرقابية.
وقد استطلع البرنامج آراء عدد من الوزراء والمسئولين السابقين في هذا المسالة وكذلك اراء الراي العام، حيث تشرفت بان أكون أحد ضيوف هذا البرنامج، كما تشرفت بان تتضمن فقرات البرنامج بعض المواد الارشيفية التي نشرت لي في صحيفة الانباء.
ويأتي هذا البرنامج في سياق الجهود التي تبذلها الدولة في مكافحة الفساد بكافة صورة ومن خلال الأجهزة الرقابة المختلقة، هذا الفساد الذي أرهق ميزانية الدولة وسمعتها داخليا وخارجيا.
وحيث ان مثل هذا الموضوع يسلط الضوء على مسالة في غاية الأهمية ليس على مستوى الأجهزة الحكومية وانما على مستوى الراي العام، فبرايي كان الأفضل بان يتم الرد على كل التساؤلات التي ممكن ان ترد في ذهن المواطن، وهي:
ماهية الجهات الرقابية التي تعنى بالرقابة على تنفيذ الميزانية وحماية المال العام؟ ودورها؟ ومدى فعاليتها؟
أولا – الأجهزة الرقابة:
- السلطة التشريعية: ممثلة بمجلس الامة والذي يعنى بالتشريع والرقابة، ومن الرقابة التي يقوم بها هي الرقابة على الأداء المالي للحكومة من خلال لجنة الميزانيات والحساب الختامي، واللجنة تقوم بالرقابة المسبقة من خلال دراسة الميزانيات العامة والتوصية بشأنها، والرقابة اللاحقة من خلال دراسة الحسابات الختامية للدولة وإصدار التوصيات بشأنها.
- ديوان المحاسبة: وهو جهاز ملحق بمجلس الامة ويعنى بالرقابة المالية والإدارية والرقابة على الأداء، ويقوم بنوعين من الرقابة، مسبقة بالنسبة للعقود والارتباطات في حدود نصاب محدد، ولاحقة بالنسبة للإيرادات والمصروفات.
- مجلس الوزراء: بما ان مجلس الوزراء هو المهيمن على اعمال السلطة التنفيذية، فيقوم المجلس بالرقابة على اداء الاجهزة الحكومية، ويساعده في هذا جهاز متابعة الأداء الحكومي بالتنسيق مع لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس الوزراء، ورقابة الجهاز اثناء تنفيذ الميزانية بالنسبة للمشاريع التنموية، ولاحقة من خلال متابعة تقارير الاجهزة الرقابية.
- وزارة المالية: وهي من اهم الأجهزة الرقابة بالسلطة التنفيذية، وتعنى بالرقابة المسبقة واللاحقة وكذلك اثناء تنفيذ الميزانية، وذلك في النشاطات المعنية بها الوزارة كالميزانيات العامة للدولة والمناقلات الخاصة بها، والمزايدات ونظم الشراء في نصاب محدد، وكذلك الحسابات الختامية للدولة.
- جهاز المراقبين الماليين: والجهاز يعنى بالرقابة المالية على التصرفات المالية التي تتم بالجهات والمؤسسات الحكومية، وهو يقوم بنوع واحد من الرقابة وهي الرقابة المسبقة.
- جهاز المناقصات المركزية: وهو يعنى بطرح المناقصات العامة في حدود نصاب محدد لتوفير المستلزمات والخدمات للجهات والمؤسسات الحكومية.
- ديوان الخدمة المدنية: ويعنى الديوان بالرقابة على شئون التوظف، ويقوم بالرقابة اللاحقة وكذلك السابقة في حدود ضيقة.
- إدارة الفتوى والتشريع: وتعنى الإدارة بالرقابة ذات الشق القانوني، خاصة المسبقة على الارتباطات والعقود في حدود نصاب محدد.
- هيئة مكافحة الفساد: وتعنى بإرساء مبدأ الشفافية والنزاهة في المعاملات الاقتصادية والإدارية بما يكفل تحقيق الإدارة الرشيدة لأموال وموارد وممتلكات الدولة والاستخدام الأمثل لها.
- وحدة التحريات المالية الكويتية: تعنى الوحدة الموضوعات المتعلقة بجرائم غسيل الأموال بما في ذلك الأموال العامة.
ثانيا – فاعلية الأجهزة الرقابية:
تتحقق فعالية الأجهزة الرقابية بتوافر ثلاثة ركائز أساسية:
الركيزة الأولى: بوجود إرادة حقيقة للإصلاح وهي الإرادة السياسية، وقد تلمسنا ذلك بالقرارات التي اتخذت بشأن بعض قضايا الفساد في الآونة الأخيرة، واستذكر في هذا السياق عندما تشرفت بلقاء سمو امير البلاد حفظه الله وشافاه بتأكيده على تطبيق القانون وكانت توجيهاته الحرفية بان (طبقوا القانون على الجميع وما عليكم من أيا كان)، وجاء ذات التأكيد من سمو ولي العهد حفظه الله واعانه، وبالتالي بعد تلك التوجيهات السامية بلا تعلو عليها أي توجيهات مخالفة لها.
الركيزة الثانية: بحسن اختيار القائمين على الأجهزة الرقابية، وان يكون الاختيار وفقا لمعايير الكفاءة والجدارة والاستحقاق، وان لا يكون على أساس المحسوبية والولاءات، والا لن تتحقق الاستقلالية للأجهزة الرقابية، ولعل من المناسب ان استذكر أيضا هنا تصريح المرحوم بإذن الله براك المرزوق رئيس ديوان المحاسبة الأسبق عندما وصف مهام الديوان بانها من أخطر المهام، ولن يعلم خطورة مهام الديوان الا من يتولى رئاسته، ويتطلب في رئيس الديوان بان يتمتع بمواصفات تؤهله بان يكون مستقلا بشكل كامل.
الركيزة الثالثة: متابعة الأداء الأجهزة الرقابية من خلال التقارير التي تعدها، ومتابعة توصياتها واستخدامها كأداء للمسئولية والمسائلة للجهات والمؤسسات الحكومية، ويسري ذلك على مسائلة الأجهزة الرقابة في حال تقاعسها في القيام بمهامها.
وبدون تلك الركائز ستكون الأجهزة الرقابية مجرد أجهزة على ورق.
كيف يتم محاسبة مساءلة المؤسسات من قبل الجهات الرقابية؟
ان التشريعات المنظمة لعمل الأجهزة الرقابية هي التي تحدد آلية المحاسبة والمساءلة، فعلى مستوى السلطة التشريعية والتنفيذية يكون ذلك من خلال التقارير الدورية التي تعدها تلك الأجهزة والتي تناقش بشكل دوري.
ففي مجلس الامة تكون المسائلة من خلال عدد من القنوات، فمناقشات لجنة الميزانيات والحساب الختامي مع مسئولي الجهات والمؤسسات الحكومية وبحضور الجهات الرقابية قد يسفر عنها عدد من التوصيات، والتي تصل في بعض الأحيان الى تشكيل لجان تحقيق، او طلب الإحالة الى النيابة العامة، وفي أحيان أخرى تستخدم تقارير الجهات الرقابية من قبل النواب في اسئلتهم البرلمانية ومادة لاستجواباتهم.
اما على مستوى مجلس الوزراء فتكون المسائلة من خلال التوصيات التي تصدرها اللجان المختصة بمجلس الوزراء، كما ان لدى المجلس العديد من الأدوات للمسائلة من خلال القرارات التي يصدرها المجلس في هذا الشأن.
كما ان هناك خصوصية لبعض الجهات الرقابية التي تمكّن التشريعات الخاصة بها من المحاسبة والمسائلة، فلدى ديوان المحاسبة محاكمات تأديبية تختص بتوقيع الجزاءات على مرتكبي المخالفات المالية المنصوص عليها بالقانون، وجهاز المراقبين الماليين يسمح له قانون انشائه بالطلب من الجهة الحكومية باتخاذ الإجراءات القانونية في بعض الملاحظات والمخالفات الجسيمة التي يرصدها، وهيئة مكافحة الفساد تملك إحالة البلاغات الى جهات التحقيق، اما وحدة التحريات المالية الكويتية فتملك التحقيق والاحالة الى النيابة العامة.
على مدى السنوات الماضية ما هو أثر هذه الجهات على المواطن؟
على مدى سنوات لم يتلمّس المواطن اي إثر ايجابي لتلك الأجهزة الرقابية، بل ان المواطن وصل الى حالة من الإحباط العام من أداء تلك الجهات بسبب ازدياد ظاهرة الفساد خاصة في السنوات القليلة الماضية، واعزو ذلك الى عدد من الأسباب وهي:
- عدم اهتمام الأجهزة الرقابية باشراك المواطن بالمعلومات على الرغم من انه يعتبر شريك حقيقي في هذا الوطن، فكيف يطلب من المواطن ان يكون شريك بالإصلاح وهو مغيّب عن المعلومات التي يرى من الأهمية الاطلاع عليها.
- عدم التعامل بشافية تجاه نشر تقارير الأجهزة الرقابية ومؤشرات اداءها، ويستثنى من ذلك ديوان المحاسبة حيث يقوم الديوان بنشر تقاريره سنويا بموقعه الالكتروني.
- عدم التواصل الإعلامي المستمر مع المواطن، وعدم المبادرة في التواصل معه في القضايا العامة التي تثار في وسائل الاعلام المختلفة من باب الشفافية، وترك المواطن كهدف سهل لوسائل الاعلام غير الموثوقة، على الرغم من صدور قرار من مجلس الوزراء بتعيين ناطق رسمي لكل جهة ومؤسسة حكومية.
وفق ما نراه في الساحة اليوم كيف يجب ان تعمل الجهات الرقابية؟
في ظل تعدد الاجهزة الرقابية يجب ان تعمل على الاتي:
- توحيد استراتيجية العمل الرقابي بما يحقق التكامل في وظائفها، من خلال خلق منصة واحدة تلتقي بها الجهات الرقابة لمناقشة القضايا المشتركة ، ولعل ما ورد بلقاء سمو رئيس مجلس الوزراء الأخير مع الأجهزة الرقابية من توجيهات بهذا الشأن ، وصدور قرار من مجلس الوزراء بشان تشكيل لجنة عليا للأجهزة الرقابية تابعة لسمو رئيس الوزراء ، بان تكون ترجمة حقيقية لهذا التكامل بالاستراتيجية والعمل ، ويبقى التساؤل المطروح الان هل سيكون لهذه اللجنة (المنصة) فعالية ؟وهل ستلبي اللجنة الطموح المرجو منها سواء من قبل الجهات الحكومية او الأجهزة الرقابية ؟ ، علما بان اول من نادى بمثل هذه المنصة هو جهاز المراقبين الماليين في عام 2016 ،وترجم ذلك بقرار صدر من مجلس الوزراء بهذا الشأن الا انه لم يتم تفعيلة بالشكل المطلوب .
- تعامل الأجهزة الرقابية بشفافية بشأن التقارير الدورية التي تصدرها، من خلال اتاحتها للراي العام لتقييم أداء وفعالية تلك الأجهزة، وان تحذوا الأجهزة الرقابية حذو ديوان المحاسبة والذي سبقها بهذه الممارسة الجيدة منذ سنوات عديده.
- على الجهات الرقابية القيام بالمراجعة الدورية لتشريعاتها ولوائحها آليات العمل لديها، وذلك لمواكبة التطور في الاعمال ولسد الثغرات فيها ان وجدت.
- تفعيل الأجهزة الرقابية لأدواتها المتعلقة في رفع كفاءة عملها وفعاليتها، من خلال الاختيار الأمثل لعناصر العمل المكلفين بالرقابة، مع ضرورة وجود التدريب المستمر لتلك العناصر من خلال نقل الخبرات من أفضل التجارب العالمية في مجال الرقابة.