صحيفة الانباء 19 اغسطس 2020
العناوين الرئيسية :
- يقتتصر دور الديوان فيما ورد بالمادتين 13 و14 على منهجية مدى الالتزام بالتشريعات المنظمة ولا يمتد إلى التقييم
- ذهب المُشرّع إلى أن اختصاص الديوان بالرقابة المسبقة لا يقتصر على الارتباطات وإنما يمتد إلى الصرف (الرقابة المسبقة على الصرف)
من خلال سردنا في المقالتين السابقتين لأحكام قانون انشاء ديوان المحاسبة وتعديلاته ، يمكن ان نلخص التساؤلات المتعلقة برقابة الأداء والرقابة المسبقة التي يمارسها ديوان المحاسبة بالجوانب التالية :
أولا:
على الرغم من ما نصت عليه المادة 88 من القانون بان تصدر اللائحة التنفيذية بمرسوم بناء على اقتراح رئيس الديوان ، الا انه حتى تاريخه لم تصدر اللائحة التنفيذية للقانون ، وعلى الرغم من ان ديوان المحاسبة قد شرع في اعداد مشروع اللائحة التنفيذية ، الا اننا نرى انه لن يكون لتلك اللائحة أي قيمة قانونية مضافة لقانون انشاء ديوان المحاسبة ، وذلك لعدم وجود أي حكم في القانون يحيل الى اللائحة التنفيذية أي إجراءات أخرى بالإضافة الى ما تم ذكرة بالقانون ، ولا يمكن ان تأتي اللائحة التنفيذية بأحكام جديدة او تعدل حتى ضمنيا لأحكام قائمة او تضيف عليها وذلك لعدم دستورية مثل تلك الاجراءات ، لذلك قد نكون امام خلل تشريعي في قانون انشاء الديوان مما يستلزم اجراء تعديلا تشريعيا على القانون .
ثانيا :
في رايي بان القانون قد منح الديوان حق تقييم الأداء في الحدود التي وضحها القانون ، وما ورد في المادة السادسة من القانون يمثل اطارا عاما لديوان المحاسبة في شان اختصاصه بالاستيثاق من كفاية الأنظمة والوسائل المتبعة لصون الأموال العامة ومنع العبث بها عند مراقبته تحصيل ايرادات الدولة ومصروفاتها الواردة بالميزانية والتي تأتي في سياق تقييم الأداء ، فالعبرة في مسالة تقييم الأداء هي الاحكام الخاصة المتعلقة في هذا الشأن والتي وردت حصرت بالمواد (8، 15، 16، 20، 83) من القانون.
ثالثا :
يأتي في اطار دور ديوان المحاسبة بتقييم الاداء ما منحة القانون للديوان في ابداء رايه من خلال الملاحظات التي يوردها الديوان وفقا لأحكام المواد (12 ،19 ،22 ،24 ،25 ،31 ، 82 ) من القانون تأسيسا على المادة 151 من الدستور والتي نصت المادة على الاتي (ينشأ بقانون ديوان للمراقبة المالية يكفل القانون استقلاله، ويكون ملحقا بمجلس الأمة ويعاون الحكومة ومجلس الأمة في رقابة تحصيل ايرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها في حدود الميزانية ويقدم الديوان لكل من الحكومة ومجلس الامه تقريرا سنويا عن أعماله وملاحظاته).
رابعا :
ان اختصاصات ديوان المحاسبة المتعلقة في تقييم أداء بعض الجوانب التي حددها القانون على النحو الوارد المواد المشار اليها في الفقرة ثانيا ، وكذلك الاختصاصات المتعلقة في ابداء الديوان لرايه من خلال الملاحظات التي يوردها الديوان وفقا لأحكام المواد المشار اليها بالفقرة ثالثا (باستثناء المادة 12 ) ، فان مثل تلك الاختصاصات غير ملزمة للجهات والمؤسسات الحكومية طالما لا تندرج ضمن المخالفات المنصوص عليها في المادة 52 من القانون .
وانما تخضع لتقييم السلطة التنفيذية والتشريعية في التعامل مع ما تفرزه تقارير ديوان المحاسبة في هذا الشأن ، لذلك فان لجنة الميزانيات والحساب الختامي بمجلس الامة هي الجهة المعنية في تقييم تلك الملاحظات واصدار التوصيات اللازمة بشأنها ، واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها بالجلسة العامة لمجلس الامة ضمن التقرير الذي ترفعه اللجنة لمجلس الامة .
خامسا :
تعتمد فلسفة الرقابة التي يقوم عليها ديوان المحاسبة بشكل أساسي على منهجية مدى الالتزام بالتشريعات المنظمة للأعمال بوجه عام ، اما تقييم الأداء فهو في الحدود التي تم توضيحها بالأحكام التي تم الإشارة لها سابقا ، الا ان ما ورد من اختصاص الديوان على وجه التحديد في المادة 13 من القانون لم يتبين بشكل قطعي وردود أي اختصاص ضمن هذه المادة يتعلق باتباع منهجية التقييم في دراسة المناقصات الخاصة بالتوريدات والأشغال العامة، وانما يرتكز اختصاص الديوان في هذا الشأن فقط بالتحقق من ان الاعتمادات الواردة بالميزانية تسمح بالارتباط أو التعاقد وان كافة الإجراءات الواجب استيفاؤها قبل الارتباط أو التعاقد قد روعيت وفقا لأحكام والقواعد المالية المقررة في هذا الشأن (منهجية مدى الالتزام) ، وعليه لم يتبين الأسس التي يعتمد عليها ديوان المحاسبة في عدم الموافقة على بعض العقود التي تستند على منهجية تقييم تلك الارتباطات والعقود .
سادسا :
نرى ان ما ذهب اليه المشرع في اختصاص ديوان المحاسبة بالرقابة المسبقة للديوان في ظل احكام المادتين ( 13 و 14 ) لا تقتصر على بالرقابة المسبقة على الارتباطات والاتفاقات والعقود ، وانما تمتد اختصاصاته في وجه نظرنا الى الرقابة المسبقة على الصرف أيضا وفقا لما وضحه المشرع عند شرحه لمنهجية الرقابة المالية التي تنتهجها بعض الدول ما بين الرقابة المسبقة والرقابة اللاحقة في المذكرة الايضاحية ، عندما ركز المشرع على ان المقصود بالرقابة المسبقة هي الرقابة على المصروفات العامة والا كان قصرها المشرع فقط على الارتباطات ، هذا وقد اسهب المشرع في شرحة لوظيفة الديوان المتعلقة بالرقابة المسبقة عندما شرح منهجية دولة الكويت بالجمع بين الرقابة المسبقة واللاحقة ، وقصر الرقابة المسبقة على أنواع معينة من منها المصروفات بالإضافة الى الارتباطات وفي نصاب محدد (مائة الف واكثر)، وعند تبرير المشرع أسباب تحديد نصاب رقابة الديوان بان هذا النصاب يؤمن سلامة عمليات الارتباط والصرف الخاصة بها ، ودون صرف مبالغ بالخطأ او اكثر من المستحق فعلا وقد يتعذر استردادها في كثير من الأحيان ، فيما لو ان اكتشاف امرها جاء تاليا للارتباط او الصرف .
ونظرا لأهمية تلك المسالة فمن الأهمية ان ندلل على وجهة النظر تلك من خلال ما نص عليه المشرع في مذكرته الايضاحية بشان المادة 7 وهو على النحو التالي (وبينت المادة 7 أساليب الرقابة المالية التي يمارسها الديوان، فنصت على أن هذه الرقابة نوعان مسبقة ولاحقة ، وذلك على الوجه المبين في المشروع. وغني عن البيان أن الرقابة المسبقة أو السابقة – كما تدل عباراتها – هي الرقابة التي تجري قبل الارتباط بمصروف أو صرفه فعلا، وبالتالي فإن مجال إعمالها يكون بالنسبة للمصروفات العامة، وقد يتسع نطاقها فيشمل كافة المصروفات، وقد يضيق فيقصر على أنواع معينة منها. والمرد في ذلك إلى الأداة التشريعية التي تتقرر بموجبها هذه الرقابة تبعا لظروف كل دولة ونظمها وأوضاعها . وإجراء هذه الرقابة يتطلب بالضرورة عدم الارتباط بمصروف مما يخضع للرقابة المسبقة أو صرفه إلا بعد الحصول على تأشيرة بإجازة ذلك من الهيئة المختصة بالرقابة المالية، وهي هنا ديوان المحاسبة. وبديهي أن هذه الهيئة لا تعطي التأشيرة بإجازة الارتباط أو الصرف إلا بعد التثبت من أن عملية الارتباط أو الصرف سليمة ومطابقة لأحكام القوانين واللوائح والتعميمات المالية، وللقواعد العامة للميزانية، وبهذه المثابة يتسنى إلى حد بعيد – تحاشي حدوث ارتباط أو صرف خاطئ أو مخالف للقانون. ومن هنا كان وصف الرقابة المسبقة بأنها رقابة وقائية، على حين أن الرقابة اللاحقة، وهي التي تجري بعد الارتباط أو الصرف، توصف بأنها رقابة علاجية.
وما ورد من شرح مسهب من قبل المشرع في المذكرة الايضاحية بشان رقابة الديوان المسبقة أثار لدينا العديد من التساؤلات هنا :
- هل فعلا المشرع اناط بديوان المحاسبة الرقابة المسبقة على الصرف في حدود النصاب الذي حدده القانون ( الرقابة قبل الصرف ) بالإضافة الى الرقابة المسبقة على الارتباطات ؟
- لماذا لم يمارس الديوان هذا النوع من الرقابة ( الرقابة على الصرف ) على الرغم من وضوح هدف المشرع في ما ورد بالمذكرة الايضاحية لقانون انشاء ديوان المحاسبة ؟
- ما هو راي الديوان والمشرع في هذه المسالة في ظل قيام السلطة التنفيذية بممارسة الرقابة المالية المسبقة منذ عام 1993 سواء في ظل وزارة المالية او في ظل جهاز المراقبين الماليين الذي تم انشاؤه بموجب القانون 23 لسنة 2015؟
ومثل تلك التساؤلات تتطلب موقف واضح من السلطة التنفيذية والتشريعية للوقوف على إجابات لتلك التساؤلات.
سابعا :
- على ديوان المحاسبة ممارسة حقة الذي منحه إياه المشرع في المادة 33 من القانون وفقا لما ورد بالمذكرة الايضاحية للقانون في حال كان له راي مغايرا لما انتهى الى قرار مجلس الوزراء بشأن الخلاف بالمسائل الناتجة عن الرقابة المالية بان يعرض الموضوع فورا على مجلس الامة وان لا يكتفي بإدراجه الموضوع في التقرير السنوي الذي يقدمه لمجلس الامة ، اذا كان راي الديوان نتيجته ذات اثر مادي على المال العام (لم يتبين لنا فيما اذا مارس الديوان فعلا هذا الحق منذ انشاءه) .
ختاما لا بد التأكد على مسالتين جوهريتين في هذا الموضوع ، الأولى التأكيد على اهمية الدور الذي يقوم به ديوان المحاسبة في المحافظة على حماية المال العام وصونه من العبث ، وذلك من خلال قيامه باختصاصاته المقررة له بالقانون رقم 30 لسنة 1964 بشان انشاء ديوان المحاسبة وتعديلاته .
والثانية على أهمية القيمة المضافة التي يحققها ديوان المحاسبة من ممارسة رقابته على الأداء على النحو الذي تم توضيحه ، الا اننا نؤكد بهذا الصدد بانه على الرغم من تلك القيمة المضافة الا انه يجب ان تتسق ممارسة الديوان لهذا النوع من رقابته بما حدده المشرع في احكام القانون ومذكرته التفسيرية وان لا يجب الخروج عنها ، واذا ما رأى الديوان وجود ثغرات في القانون وجب عليه اتخاذ الإجراءات اللازمة التي كفل له القانون لسد مثل تلك الثغرات، ودون ممارسة أدوار لم يحددها القانون بشكل قاطع.