صحيفة الانباء 5 اغسطس 2020
العناوين الرئيسية:
- ردود أفعال متباينة بشأن ممارسة «الديوان» سلطته وفقاً للمادتين 13 و14 وبشأن حق الوزير المعني بالاعتراض على رأي «الديوان»
- بروز تساؤلات عن السند القانوني لممارسة ديوان المحاسبة لتقييم الأداء وحقيقة اختصاصات «الديوان» المتعلقة بالرقابة المسبقة
قبل فترة اصدر ديوان المحاسبة تصريح له والمنشور عبر وكالة الانباء الكويتية من ان الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد والإجراءات الوقائية المتبعة في مختلف جهات الدولة نتج عنها ورود طلبيات شراء متشابه من عدة جهات لاسيما تلك المتعلقة بالمواد المعقمة ، وذكر الديوان وجود اختلاف في الأسعار التي تحصل عليها الجهات الحكومية لذات المعقمات وذات المواصفات لكن مع اختلاف الكمية المطلوبة ، هذا وطلب الديوان من احد الجهات الحكومية بالتنسيق مع وزارة الصحة بهذا الشأن الامر الذي حقق وفر للمال العام ، حيث اكد الديوان حرصه على تحقيق الرقابة الفعالة على الأموال العامة للدولة من خلال التأكد من صحة الإجراءات المتبعة لتعاقدات الجهات الحكومية تفاديا لاي هدر مالي .
وفيها سياق تصريح الديوان هذا لا يختلف احد على أهمية دور ديوان المحاسبة في المحافظة على حماية المال العام ، وحيث يعتبر الديوان من اهم الأجهزة الرقابية في الدولة بشقيه المالي والإداري والذي نص عليه الدستور ، فهو الجناح الرقابي للسلطة التشريعية الى جانب الجناح التشريعي ، ويستهدف ديوان المحاسبة وفقا للمادة الثانية من قانون إنشاءه رقم 30 لسنة 1964 وتعديلاته إلى تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة وذلك عن طريق ممارسة الاختصاصات المخولة له بمقتضى هذا القانون وعلى الوجه المبين فيه.
ومن جانب اخر فقد اثارت آراء ديوان المحاسبة على بعض الارتباطات التي تقوم الجهات والمؤسسات الحكومية بعرضها على ديوان المحاسبة لأخذ موافقته المسبقة عليها وفقا لأحكام قانون انشاء الديوان ( المادتين 13 و 14 ) ، انتقادات واسعة وذلك من ان الديوان يمارس اختصاصاته في هذا الشأن بنوع من التعسف – حسب تعبيرها – ، مما حدا بها الى اللجوء الى مجلس الوزراء في بعض الحالات لحسم الاختلاف فيما بين الديوان والجهات في هذا الشأن وذلك وفقا لما نصت عليه المادة 13 من قانون انشاء الديوان ، والتي تتيح للوزير المختص بعرض وجهات النظر المختلف عليها بين الديوان والجهة الحكومية على مجلس الوزراء ، والذي يبت في الموضوع ويعمل بالقرار الذي يصدر عن المجلس ، الامر الذي أثار أيضا ردود أفعال من قبل الديوان وبعض أعضاء السلطة التشريعية من ان استخدام السلطة التنفيذية لهذا الحق اصبح وسيلة لتمرير العقود التي يتم الاعتراض عليها من قبل ديوان المحاسبة -حسب تعبيرها-.
علما بانه وفقا للمذكرة الايضاحية للقانون فقد منحت المادة 33 منه رئيس ديوان المحاسبة الحق في حال كان له راي مغايرا لما انتهى الى قرار مجلس الوزراء بشأن الخلاف بالمسائل الناتجة عن الرقابة المالية بان يعرض الموضوع فورا على مجلس الامة ،او ان يكتفي بإدراج الموضوع في التقرير السنوي الذي يقدمه لمجلس الامة.
وفي ظل وجهات النظر المتباينة حيال ممارسة ديوان المحاسبة لاختصاصاته في شان الرقابة المسبقة، وممارسة الوزير المختص لسلطته بعرض وجهة نظر الجهة بالإضافة الى وجه نظر الديوان على مجلس الوزراء لحسم هذا الخلاف استنادا لأحكام مواد القانون المشار اليها ، برزت عدد من التساؤلات ومن اهما في نظري هي الاتي:
- ما هو السند القانوني لممارسة ديون المحاسبة لتقييم الأداء بوجه العام وتقييم الارتباطات التي تتطلب موافقة الديوان المسبقة بوجه خاص؟
- ماهي حقيقة اختصاصات ديوان المحاسبة المتعلقة بالرقابة المسبقة ؟
ولمعرفة الإجابات على مثل تلك التساؤلات يجب ان نعرف الحدود التي رسمها القانون لديوان المحاسبة لاختصاصاته في هذا الشأن، مع تأكيدنا لأهمية الدور الذي يقوم به ديوان المحاسبة في حماية الأموال العامة، الا اننا أيضا نؤكد على أهمية الالتزام بما اقره المشرع من احكام قانونية لممارسة ديوان المحاسبة لاختصاصاته والتي يجب ان لا يخرج عنها الديوان، فاذا ما رأت السلطة المختصة وجود ثغرات في القانون وجب عليها اتخاذ الإجراءات اللازمة التي كفل لها القانون لسد مثل تلك الثغرات، ودون ممارسة أدوار لم يحددها القانون بشكل قاطع.
وبهذا الصدد لا بد ان نشير الا انه في عام 2008 لجأت مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية حين ذاك الى إدارة الفتوى التشريع لاستفتائها بشأن اعتزام ديوان المحاسبة بتنفيذ برنامج تدقيق في إطار رقابته اللاحقة طبقا لقانون انشاء الديوان وذلك بهدف تقييم كفاءة الأنشطة والتأكد من فاعلية تنفيذ الخطط الموضوعية وفقا لمعايير الاقتصاد في النفقات والكفاءة والفاعلية في الأداء.
وقد أبدت إدارة الفتوى والتشريع رايها في ضوء احكام قانون انشاء ديوان المحاسبة وعلى وجه التحديد المواد (2 ،5 ،6 ،8 ،9 ) ، حيث ترى الإدارة من احكام تلك المواد ان مهمة الديوان هي الرقابة المحاسبية لإيرادات ومصروفات الجهات الخاضعة لرقابته ، والتثبت من التزامها بالأصول المحاسبية السليمة المحددة بالقوانين واللوائح ،والاستيثاق من كفاية الأنظمة والوسائل المتبعة لصون الأموال العامة ومنع العبث بها ، وبالتالي لا يختص الديوان بمراقبة الأداء الإداري والفني لهذه الجهات ، اذ ان المشرع لم ينط بالديوان سلطة تقييم كفاءة وأداء الجهات التي يراقب عليها الديوان ، ومن ثم تحتفظ كل جهة باختصاصها في هذا الشأن وفقا للقوانين واللوائح الخاصة بها ، ولا تخضع للديوان الا في حدود الرقابة المالية ومدى اتباعها الأصول المحاسبية السليمة في إيراداتها ومصروفاتها وكذلك مراجعة المستندات والسجلات ودفاتر الصرف ، وهذا ما انتهى اليه راي إدارة الفتوى والتشريع .
هذا وعلى الرغم من صدور قانون انشاء ديوان المحاسبة قبل اكثر من خمسة عقود قد يستغرب البعض الى انه حتى تاريخه لم تصدر اللائحة التنفيذية للقانون ، والتي نصت عليها المادة 88 منه بان تصدر اللائحة بمرسوم بناء على اقتراح رئيس الديوان ، ولعل في وجه نظري ان السبب الحقيقي لعدم صدور اللائحة التنفيذية حتى الان هو انه لن يكون لتلك اللائحة أي قيمة قانونية مضافة لقانون انشاء ديوان المحاسبة ، وذلك لعدم وجود أي حكم في القانون يحيل الى اللائحة التنفيذية أي إجراءات أخرى بخلاف ما تم ذكرة بالقانون ، لذلك يتم ممارسة هذا القانون منذ صدوره بدون أي عوائق تذكر في هذا الشأن .
مع التأكيد على ما هو متعارف عليه قانونا بان اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية لتنفيذ الأحكام التي يتضمنها القانون والمحالة الى اللائحة التنفيذية يجب ان لا تعدل او تلغي احكام القانون او تضيف عليها والا ستكون محل شبهة عدم الدستورية، لذلك من غير الواضح ملابسات صدور قانون انشاء ديوان المحاسبة على هذا النحو، فهل نحن اما خطأ في التشريع؟ هذا ما يستلزم توضيحه من المشرعين.
وكما أشرنا سابقا فان ديوان المحاسبة يستهدف وفقا للمادة الثانية من قانون إنشاءه رقم 30 لسنة 1964 إلى تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة ،وذلك عن طريق ممارسة الاختصاصات المخولة له بمقتضى هذا القانون وعلى الوجه المبين فيه، وهذا مفاده بان هدف ديوان المحاسبة المتعلق بالرقابة على الأموال العامة مرتبط باختصاصات الديوان التي وضحها المشرع وبشكل محدد بموجب أحكام القانون، وبالتالي يجب ان لا يتم الخروج عن تلك الاحكام باي شكل كان.
وقد تناول القانون احكام عامة وخاصة في سبيل ممارسة الديوان لاختصاصاته، فالمادة السادسة من القانون تناولت الإطار العام لمهام الديوان وهي بان يختص الديوان بالاستيثاق من كفاية الأنظمة والوسائل المتبعة لصون الأموال العامة ومنع العبث بها عند مراقبته تحصيل ايرادات الدولة ومصروفاتها الواردة بالميزانية.
وهذا الإطار العام يخول ديوان المحاسبة بتقييم مدى كفاية الأنظمة المتعلقة حماية المال العامة سواء كانت تختص بالإيرادات او المصروفات بشرط ان تكون مرتبطة بالميزانية العامة للدولة، وعلى الرغم ان هذه المادة قد منحت الديوان حق تقييم الأنظمة المشار اليها الا انه في وجه نظري لا يزال يمثل ذلك اطارا عاما يستلزم الرجوع للأحكام الخاصة لمعرفة الجوانب التي تمنح الديوان حق تقييم الأداء فيها.
وقد جاءت الاحكام الخاصة تلك في الفقرة (ج) من المادة الثامنة من القانون والتي يختص الديوان فيها بالاستيثاق من كفايته اللوائح والانظمة الادارية لضبط أساس الضرائب والرسوم والتكاليف المختلفة ولضمان تحصيلها طبقا للقوانين، كما استلزمت المادة 15 الاستيثاق من كفاية اللوائح والأنظمة الموضوعة للمخازن والمستودعات المشار إليها وسلامة تطبيقها ولفت النظر إلى ما قد يرى فيها من أوجه النقص وذلك للعمل على تلافيه .
هذا وألزمت المادة 16 الديوان بان يبحث الديوان أسباب حوادث الاختلاس والإهمال والمخالفات المالية والوقوف على الثغرات الموجودة بأنظمة العمل والتي كانت سببا في وقوعها أو أعانت على ارتكابها أو سهلت حدوثها واقتراح وسائل علاجها.
ومنح القانون الديوان الحق في المادة 20 بفحص اللوائح الإدارية والمالية المحاسبية للاستيثاق من مدى كفايتها واقتراح وسائل تلافي أوجه النقص فيها.
كما يقوم الديوان بموجب المادة 83 بتقييم تنفيذ المشاريع الإنشائية فيما إذا كان تنفيذها قد حقق النتائج والأهداف التي اقتضت تخصيص وصرف تلك المصروفات من أجلها، وتشير المذكرة الايضاحية للقانون بان تخويل الديوان بهذا الاختصاص يستتبع بطبيعة الحال ان يكون للديوان اتخاذ ما يراه من الوسائل التي تمكنه من مباشره ذلك الاختصاص على الوجه الاكمل.
(يتبع)