صحيفة الانباء 20 يوليو 2020
العناوين الرئيسية:
- اصبح لزاماً أن تعيد الدولة صياغة رؤية 2035 ورسمها بما يتناسب مع ما خلفته وما ستخلفه مستقبلاً أزمة «كورونا»
- ميزانية البرامج والأداء تساعد في رفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتعظيم الاستفادة من موارد الدولة المختلفة
- موازنة البرامج والأداء ما هي إلا مرآة عاكسة لبرنامج عمل الحكومة وتهدف إلى إنجاز خططها بشكل سريع وبدقة عالية
ما ان أعلنت الدولة رؤيتها الجديدة ( الكويت 2035 ) في عام 2017 والتي تهدف الى تحويل دولة الكويت إلى مركز مالي وتجاري وثقافي إقليمي جاذب للاستثمار ، حتى وضعت الدولة خططها واولوياتها تنفيذا لتلك الرؤية والتي ترتكز على عدة ركائز أساسية ، كما تشتمل الرؤية على عدد من البرامج والمشروعات الاستراتيجية التي تحقق قدرا كبيرا من الاثر التنموي وصولا لتلك الرؤية في حلول عام 2035.
وفي ظل ازمة جائحة فايروس كورنا وانعكاساتها ذات الأثر البالغ والتي القت بظلالها على الاقتصاد الوطني والمركز المالي للدولة، اصبح لزاما بان تعيد الدولة صياغة رؤيتها (رؤية الكويت 2035 ) ، ورسم تلك الرؤية بما يتناسب مع ما خلفّته وما ستخلّفه مستقبلا ازمة الجائحة ، سواء من حيث الأهداف الاستراتيجية لها او من حيث نطاقها الزمني.
ولعل من الأهمية في ظل الأوضاع الحالية ان نعيد النظر في العديد من السياسات المالية والاقتصادية بما يتلاءم مع الظروف الجارية ، وعلى الأخص ان يتم إعادة النظر في بعض الأدوات المالية التي من شانها تساهم في تحقيق التخطيط المالي السليم والرقابة المؤسسية الفعالة، ومن اهم تلك الأدوات هي نوع الموازنة التي تتبناها الإدارة المالية العامة للدولة.
فالإدارة المالية العامة للدولة حاليا تنتهج ميزانية البرامج والبنود، والتي تعتبر نوع من أنواع الموازنات التقليدية ، وقد يكون هذا النوع من الموازنة قد حققت أهدافها في الوقت الذي تم تبينها وذلك نظرا لسهولتها وبساطتها ، لكن في ظل التطور المتسارع في عالم الاقتصاد والمالية العامة ، وفي ظل استخدام الخطط متوسطة وبعيدة المدى ، فلم تعد موازنة البرامج والبنود وسيلة فعالة للتخطيط والتقييم والمسائلة، بل أصبحت عائقا لعمليات الإصلاح المالي والاقتصادي ، لذلك اصبح التوجه الى موازنة البرامج والأداء ضرورة ملحة ، خاصة في ظل الأوضاع الحالية والتي تعاني فيها الموازنة العامة للدولة من عجز مستمر ينهك الاحتياطيات السيادية ، ومن المتوقع ان يستنفذها على المدى المتوسط في حال الاستمرار في هذا النهج في إدارة المالية العامة، مما يجعل إعادة النظر بتبني موازنة البرامج والأداء وسيلة فعالة وبوابة للإصلاحات المالية بالإضافة الى انها ضرورة ملحة .
وتساعد ميزانية البرامج والأداء في رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتعظيم الاستفادة من موارد الدولة المختلفة، وما يميز موازنة البرامج والاداء بانها ترفع من مستوى الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين وتطويرها ، والتي حاليا تعاني من تدني جودتها مقارنة مع كلفتها، حيث أصبحت محط انتقاد من قبل المواطنين، كما تساهم ميزانية البرامج والأداء في ترشيد الانفاق الحكومي لتنفيذ البرامج والاهداف من خلال اختيار أفضل الخيارات بأعلى جودة وبأقل التكاليف.
وما يميز موازنة البرامج والأداء أيضا بانها وسيلة فعالة لتقييم الادارة الحكومية ومدى فعاليتها وكفاءتها، وتحديد المسئوليات الإدارية مما يجعلها أداة مهمة في المسائلة على الأداء من خلال مؤشرات أداء تنفيذ الأهداف والبرامج.
الا ان هذا النوع من الموازنات يتطلب كوادر بشرية فنية قادرة على تلبية متطلبات التعامل مع ميزانية البرامج والأداء، وللأسف قد اثبتت الدراسات وجود ضعف كبير في بناء القدرات البشرية الفنية والتي ترجع الى عدة عوامل ، منها ما يتعلق بضعف التدريب الفني وبناء القدرات ، ومنها ما يتعلق بنظام الاختيار والتقييم والمسائلة خاصة بالنسبة للوظائف القيادية والاشرافية والتي من المفترض ان تقود عملية الإصلاح ، وبدون ذلك سوف نجعل عملية الإصلاح مسالة صعبة ونظرية اقرب من انها عملية .
كما يتطلب ايضا وجود أنظمة آلية ومحاسبية ونظم معلومات وتكاليف تواكب تطبيق ميزانية البرامج والأداء ، فعلى الرغم من قيام وزارة المالية بالتطبيق الفعلي لنظم إدارة مالية الحكومة (GFMIS) ابتداء من 1 أبريل 2016 باستخدام تطبيقات (Oracle) ، والتي هي تهدف بالأساس الى توفير دورة مستندية متكاملة آلياً، وتطوير كفاءة وأداء وفاعلية الأعمال والقائمين عليها لدى الجهات الحكومية ، وذلك تماشياً مع المعايير المحاسبية الحكومية الدولية ، الا انه لا يوجد أي مؤشرات مؤكد توضح مدى تحقيق تلك الأهداف ، خاصة وان مستهدفات التحول الأساسية الى نظام الاستحقاق لم تتحقق وهو جوهر نظم إدارة مالية الحكومة (GFMIS) ، خاصة فيما يتعلق بنظام الموازنة .
ولعل من التجارب الإقليمية الناجحة في مجال تطبيق موازنة البرامج والأداء تجربة دولة الامارات والتي سبقتنا في هذا المجال بشوط طويل، حيث طبقت الامارات هذا الأسلوب من الموازنات في نهاية عام 2001 والتي كانت بشكل تجريبي ومرحلي، وصدر في عام 2005 تقرير لتقييم تلك التجربة، وقد حصلت دولة الامارات على المرتبة الأولى عالميا في مجال كفاءة السياسة المالية الحكومية، كما حصلت على المرتبة السابعة في كفاءة الإدارة المالية في القطاع الحكومي من أصل تسع وخمسين دولة تضمنها تقرير التنافسية العالمي في عام 2012 الصادر من المعهد الدولي للتنمية الإدارية بسويسرا.
وفي سياق الإجراءات الحكومية الهادفة الى تطبيق الإصلاحات المالية في الإدارة المالية العامة للدولة ، وعلى الرغم من تأخر دولة الكويت في فهذا المجال ، فلا سبيل لتطبيق تلك الإصلاحات الا من خلال إعادة النظر في أسلوب اعداد الموازنة العامة للدولة، خاصة في ظل اهتمام المواطن بالإجراءات المتوقع تبنيها من قبل الحكومية والمتعلقة بإعادة النظر في الرسوم والضرائب حيث يتوقع المواطن ان تكون الخدمات الحكومية بكفاءة عالية على قدر تلك الرسوم ، كما يتوقع بان تكون الإدارة المالية للدولة تتسم بالحوكمة والمصداقية والشفافية ، خاصة وانه يقع على عاتق الدولة رفع الوعي المجتمعي في هذا الشأن.
فموازنة البرامج والأداء ماهي الا مرآه عاكسة لبرنامج عمل الحكومة، وتهدف الى انجاز خططها بشكل سريع وبدقة عالية، إضافة الى رفع الأداء الحكومي وتحسينه من خلال ربط الموازنة بالبرامج في ظل وجود مؤشرات لقياس الأداء وتقارير عالية الجودة وصولا الى مبدا المسائلة كمنهجية للرقابة.