الوظائف في القطاع العام (ما بين الاستحقاق والموضوعية)

صحيفة الانباء 31 مايو 2020

https://alanba.com.kw/971379

العناوين الرئيسة:

  • ان توطين الوظائف في القطاع العام حق مشروع كفله الدستور للمواطنين بهدف توفير وظيفة مناسبة لهم وفق مؤهلاتهم ومهاراتهم.
  • الدستور: لا يولى الأجانب الوظائف العامة إلا في الأحوال التي يبينها القانون ، وللكويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه ، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه .
  • نظم قانون الخدمة المدنية التعيين في الوظائف العامة، بان يعيّن الكويتي بالوظائف العامة بصفة دائمة، اما غير الكويتي فيكون تعيينه بصفة استثنائية.
  • في حقيقة الامر ان وفقا للممارسة في تطبيق احكام الدستور والقانون أصبحت الوظيفة المؤقتة في نطاق واسع وظيفة دائمة وليس مؤقته بالنسبة لغير الكويتيين.
  • ان المطالبات بتوطين الكويتيين في الوظائف العامة في مضمونها مطالبة مستحقة دستوريا وقانونيا  ، لكن يعاب تلك المطالبات بانها جاءت  دون دراسة وتخطيط وستكون نتائجها كارثية .
  • توطين الوظائف العامة يجب ان يأتي في سياق المعالجة الموضوعية بعد تقييم الدروس المستفادة من ازمة وباء فايروس كورونا المتعلقة في الخلل في إدارة التركيبة السكانية.   
  • المطلوب إعادة النظر في آليات المفاضلة بين المتنافسين على الوظائف العامة، و في نظام تقييم أداء الموظفين المعمول به حاليا .
  • منع التعيين على العقود المؤقتة بشكل مطلق في أي وظيفة تتوافر متطلباتها في الكويتيين كما يمنع اصدار أي استثناءات في تلك المسالة.
  • وضع برنامج زمني لتوطين الوظائف العامة متوسط المدى (1 – 3 سنوات) ، والبرنامج الزمني مرهون بتهيئة البيئة السليمة لتنفيذ ذلك .
  • إعادة النظر في التشريعات بما لا يسمح للمعينين على العقود المؤقتة العمل في غير أوقات العمل الرسمي، بما في ذلك نظام الاستعانة بالخدمات .
  • تفعيل دور ديوان المحاسبة ولجنة الميزانيات والحساب الختامي بالرقابة على شغل الوظائف العامة وفق الصلاحيات الممنوحة لهما بالدستور والقانون.

ان المطالبة بتوطين الوظائف في القطاع العام حق مشروع كما هو الحال في القطاع الخاص، وذلك بهدف توفير وظيفة مناسبة للكويتيين وفقا لمؤهلاتهم ومهاراتهم ، وقد يكون القطاع العام أولى بهذا الحق استنادا لأحكام الدستور والتي اعتبرت الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها ، هذا ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العام ،  ولا يولى الأجانب الوظائف العامة إلا في الأحوال التي يبينها القانون ، كما منح الدستور كل كويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه ، باعتبار ان العمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه .

وبصدور القانون 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية نظم القانون التعيين في الوظائف العامة، بحيث يعين الكويتي بالوظائف العامة بصفة دائمة، اما غير الكويتي فيكون تعيينه بصفة استثنائية وبوظائف مؤقته تأسيسا لأحكام الدستور وذلك بعقود عمل متنوعة تم تنظيمها من قبل مجلس الخدمة المدنية.

ووفقا لقراءتي لرؤية المشرع في هذا القانون فان عند تعيين غير الكويتي بعقود مؤقتة يكون الغرض منها واضحا واستثنائيا، وذلك اما لعدم وجود العدد الكافي من الكويتيين ممن تتوافر فيهم المؤهلات والشروط لبعض الوظائف ، او بهدف الاستعانة بخبرات لا تتوافر في الموظف الكويتي، وعليه فان تلك الوظائف من المفترض ان تكون مرهون الاستمرار فيها بوقت زمني واضح بعد نقل الخبرة المطلوبة، وكذلك بتوفّر الكفاءات والمؤهلات في الكوادر الكويتية للوظائف الأخرى، وهو التفسير الموضوعي لتلك الاحكام وغير ذلك من تفسير يعتبر بتفريغ للقانون .

لكن في حقيقة الامر ووفقا للممارسة العملية في تطبيق احكام الدستور والقانون أصبحت الوظيفة المؤقتة في نطاق واسع وظيفة دائمة وليس مؤقته بالنسبة لغير الكويتيين.

وعلى الرغم من ردود الأفعال خلال الفترة السابقة على موضوع تعيين غير الكويتيين في الوظائف العامة والمطالبة بتوطينها والتي في مضمونها مطالبة مستحقة دستوريا وقانونيا  ، الا انه يعاب على مثل تلك المطالبات وردود أفعال الراي العام بانها جاءت بالمطالبة بالتوطين المطلق دون دراسة وتخطيط مسبق والتي ستكون نتائجها بلا شك كارثية ، فهل يمكن تصور الوضع كيف سيكون عندما يتم الاستغناء عن كل الطاقم الطبي غير الكويتي في وزارة الصحة خلال سنة ، او كادر التدريس في المؤسسات التربوية؟ ، وغيرها من تلك الوظائف الحيوية ، كيف سيتم تسيير تلك الخدمات ؟ وكيف سيكون مستوى جودتها؟.

وللأسف هناك من يجارى الراي العام من السياسيين بشقّيهم ويدفع بتلك المطالبة دون دراسة ولا تخطيط، مع تأكيدنا السابق بان توطين الوظائف العامة مستحق دستوريا وقانونيا.

ان ازمة تفشّي وباء كورونا القت بظلالها على جوانب عديدة بالدولة فبدأت صحيا ثم اقتصاديا وماليا، والان الازمة ابرزت  الخلل في التركيبة السكانية ، وهناك من يحمّل الإدارة تبعات تلك الازمة والأخر يعزو الامر الى سوء التخطيط وغيرها من الأسباب ، وفي موضوع نشر لي سابقا بعنوان (الادارة المالية بالدولة في ظل ادارة الازمات) وضحت فيه أهمية ادارة الازمات.

وفي إدارة الازمات دائما تكون هناك دروس مستفادة بعد الخروج من تلك الازمات، ومن خلالها تصدر توصيات لمعالجة العديد من المشاكل التي افرزتها تلك الازمة ، لذلك موضوع توطين الوظائف العامة يجب ان يأتي في سياق هذه المعالجة الموضوعية والمدروسة ،لا ان يأتي من خلال ردود الأفعال والمقترحات بقوانين والتي في وجه نظري غير مدروسة مع كل التقدير لمقدّميها.

لذا أرى من المناسب طرح بعض الإجراءات والاعتبارات التي أرى من الموضوعية ان يتم مراعاتها في مسالة توطين الوظائف العامة:

  1. قبل التفكير في أي خطوات إجرائية بتوطين الوظائف العامة يجب تهيئة البيئة المناسبة للتوطين من خلال إعادة النظر في كافة القرارات التنفيذية المتعلقة بشغل الوظائف العامة بما في ذلك الوظائف القيادية والاشرافية، بحيث يتم ربط التعيين وفقا للكفاءة والجدارة والاستحقاق واجتياز الاختيارات التحريرية والمقابلات الشخصية، وان لا يتم التعيين وفقا الإجراءات التقليدية التي تعتمد على الأقدمية كأساس للأفضلية.
  2. تطوير آليات المفاضلة بين المتنافسين على الوظائف بحيث لا تقتصر على الشهادات الأكاديمية فقط وانما الشهادات المهنية سواء المحلية او الدولية، خاصة بعد اللغط الكبير الذي طال سمعه الشهادات الاكاديمية والتي أثّرت سلبا على جودة الخدمة العامة .
  3. إعادة النظر في نظام تقييم أداء الموظفين المعمول به حاليا نظرا لثبوت عدم فعاليته، وعدم قدرة النظام على تحقيق العدالة للموظفين المتميزين فعلا، وذلك لتأثّر التقييم بالجانب التقديري للمسؤول المباشر وهو عامل شخصي، وحتى التعديل الأخير الذي تم  على نظام تقييم الأداء والذي عالج موضوع الالتزام بالدوام لا يتسم بالموضوعية كما انه لا يعتبر كافيا.
  4. تفعيل قرارات مجلس الوزراء المتعلقة بإصدار لائحة تنفيذية تتضمن مبدا الثواب والعقاب تعزيزا لمبدأ المسئولية والمسائلة واحترام قواعد سلوك العمل، وان يكون احد عوامل قياس الأداء للموظفين .
  5. الالتزام بما يهدف له المشرع بالأحكام التشريعية بقصر الوظائف العامة على الكويتيين، وفيما يتعلق بتعيين غير الكويتيين فيكون ذلك استثنائيا وليس استثناء حتى لا يتم تشريع الاستثناء كقاعدة عامة وتخضع للقرار الشخصي، والحالة الاستثنائية تكون مقصورة اما لعدم توفر العدد الكافي من الكويتيين لشغل تلك الوظائف، او بهدف الاستعانة بخبرات لا تتوافر في الكويتيين، هذا وما يستلزم من إعادة النظر في القرارات التنفيذية لتحقيق ذلك.
  6. يمنع التعيين على العقود المؤقتة بشكل مطلق في أي وظيفة تتوافر متطلباتها في مخرجات مؤسسات التعليم المختلفة من الكويتيين كما يمنع اصدار أي استثناءات في هذا الشأن.
  7. يتم معالجة الوضع القائم الناتج عن عدم تنفيذ هدف المشرع وفقا لما تم توضيحه سابقا من خلال وضع برنامج زمني متوسط المدى (1 – 3 سنوات) لعملية الاحلال، والبرنامج الزمني مرهون بتهيئة البيئة السليمة لتنفيذ ذلك والموضحة بالفقرات السابقة، مع مراعاة عدم تجديد العقود المؤقتة المعنية بالفقرة (6) باي حال من الاحوال بعد انتهاء البرنامج الزمني.
  8. إعادة النظر في التشريعات بما لا يسمح للمعينين على العقود المؤقتة العمل في غير أوقات العمل الرسمي (المادة 25 من قانون الخدمة المدنية)، بما في ذلك الاستعانة بالخدمات لجهات أخرى حكومية او غير حكومية سواء بشكل جزئي او كلي، كما يتم منع الاستعانة بخدمات من هم في القطاع الخاص سواء بشكل جزئي او كلي أيضا.
  9. اصدار تشريعات تحكم الرقابة على التعيين غير المباشر من خلال عقود الخدمات، والتي في ظاهرها تقديم خدمات وفي مضمونها تعيين موظفين على تلك الخدمات.
  10. ان يكون نطاق تطبيق الإجراءات المتعلقة بتوطين الوظائف العامة يسري على الوزارات والإدارات الحكومية والهيئات ذات الميزانيات الملحقة والمؤسسات ذات الميزانيات المستقلة والشركات المملوكة بالكامل للدولة، وان أي تشريع يصدر في هذا الشأن يسري على تشريعات الجهات المشار اليها .
  11. التفكير جديا بتطبيق البديل الاستراتيجي بشان توحيد سياسة الأجور في الجهات الحكومية والمؤسسات والهيئات العامة، وإلغاء كافة الموافقات الاستثنائية الصادرة من مجلس الخدمة المدنية لبعض الجهات والمتعلقة بمنح تعويضات ومزايا للعاملين فيها .
  12. قصر القرارات المتعلقة بشئون التوظف والأجور والمكافئات والمميزات العينية والنقدية بمجلس الخدمة المدنية دون غيره، وبغض النظر عن باب الميزانية الذي يتم تحميله بتلك الأجور والمكافئات وذلك استنادا الى المادة 155 من الدستور والتي تنص بان ينظم القانون شؤون المرتبات والمعاشات والتعويضات والاعانات والمكافآت التي تقرر على خزانة الدولة ، حيث صدر القانون رقم 15 لسنة 1979 بشان نظام الخدمة المدنية ، وان لا يتم الالتفاف  على هذا القانون باللجوء الى مجلس الوزراء لإصدار لوائح مالية خاصة للبعض الجهات .
  13. تفعيل دور ديوان المحاسبة وفقا للمادة 12 من قانون انشاءه، حيث منحه المشرع سلطة فريدة من نوعها، وهي في حال عدم موافقة الجهة الحكومية على الاخذ برأي ديوان المحاسبة في شان  القرارات المتعلقة بشئون التوظف والمعترض عليها من قبل ديوان المحاسبة، فإنها  تعتبر موقوفة بقوة القانون إلى إن يستقر على اتفاق هاتين الجهتين بشأنها ، وإلا عرض الموضوع على مجلس الوزراء للبت فيه.
  14. تفعيل دور لجنة الميزانيات والحساب الختامي من خلال احكام الرقابة على الاعتمادات المالية المخصص للعقود والمدرجة في باب الرواتب والأجور او الاعتمادات المالية المدرجة في الأبواب الأخرى للميزانية والتي يمكن ان تستغل اعتماداتها في التعيين غير المباشر، مع التأكيد على وضع قيود وتأشيرات بقانون ربط الميزانية بهذا الشأن .
  15. إعادة صياغة برنامج عمل الحكومة ورؤية الكويت 2035 بحيث يكون توطين الوظائف العامة ضمن الركائز الأساسية لبرنامج العمل والرؤية.

ختاما ان توطين الوظائف العامة وضبط التعيين على العقود المؤقتة رغبة مشروعة ومتسقة مع الدستور، ولتحقيق تلك الرغبة يستلزم العمل على هذه المسالة  بشكل موضوعي ومدروس ومخطط له بشكل جيد وبقناعة كافة الأطراف ذات الصلة لضمان تحقيق ما هو مأمول من توطين الوظائف.

نُشر بواسطة bader alhammad

من مواليد الكويت عام 1964 ، حاصل على الاجازة الجامعية في تخصص المحاسبة عام 1988 بتقدير جيد جدا . بدء عمله في ذات العام بوظيفة محاسب بوزارة المالية وتدرج في المناصب الاشرافية كرئيس قسم التوجيه المحاسبي ثم مراقب مالي ثم مديرا لإدارة الرقابة المالية الى ان صدر به مرسوم اميري عام 2013 بتعينه وكيل مساعد بوزارة المالية حيث شغل منصب الوكيل المساعد لشئون الرقابة المالية . ثم عين بمرسوم اميري رئيسا لقطاع الرقابة المالية بجهاز المراقبين الماليين عند انشاءه في عام 2015 حيث شغل منصب رئيس قطاع الرقابة المالية للهيئات الملحقة والمؤسسات المستقلة خلال الفترة من عام 2016 حتى عام 2018، ومن ثم شغل منصب رئيس قطاع الرقابة المالية للوزارات والإدارات الحكومية في أكتوبر 2018 ، وبالإضافة الى عملة كلف بمنصب نائب رئيس الجهاز بالوكالة في نهاية ديسمبر 2018 حتى نوفمبر 2019.، وحاليا كاتب رأي ومتخصص في شئون المالية العامة في صحيفة الانباء الكويتية. كما شغل العديد من المناصب الأخرى محليا وخارجيا فكان عضو مجلس إدارة بنك الائتمان الكويتي، وعضو مجلس المدراء التنفيذيين للبنك الإسلامي للتنمية IDB و مجلس المديرين التنفيذيين لصندوق التضامن الاسلامي ISFD و مجلس المديرين التنفيذيين للمؤسسة الاسلامية لتامين الاستثمار وائتمان الصادرات ICIEC . هذا وقد شارك في العديد من اللجان منها الإدارية والفنية ولجان تقصي الحقائق و التحقيق محليا وخارجيا ، وله العديد من الآراء والاجتهادات الفنية التي اثرى بها العمل في مجال الرقابة المالية باعتباره احد مؤسسي نظام الرقابة المالية المسبقة بدولة الكويت ، وقد اصدر له جهاز المراقبين الماليين كتابه الأول في عام 2017 بعنوان ( بعض المسائل الفنية في قضايا الرقابة المالية ).

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: