الامن الغذائي بين القرار الاقتصادي والسياسي

صحيفة الانباء 22 مايو 2020

https://alanba.com.kw/969569

من الاهمية التأكيد على التوافق السياسي في معظم القضايا المشتركة التي تطرح تحت قبة البرلمان ، لاسيّما تلك القضايا الاقتصادية المتفق عليها من حيث المبدأ ، لذلك جاءت الحكومة التزاما بأحكام الدستور بتقديم  برنامج عملها وآخرها برنامج العمل 2016/2017-2019/2020 ، والذي قُدم  تحت شعار (نحو تنمية مستدامة ) ، ويتضمن البرنامج عدّة جوانب منها المتعلق بتنفيذ برنامج التخصيص ، ويرتكز هذا الجانب الى إعادة رسم دور الدولة في النشاط الاقتصادي  بالتعاون مع القطاع الخاص في القيام بتلك الأنشطة التي تقوم بها الدولة، على ان ينحصر دور الدولة في مراقبة ومتابعة النشاط الاقتصادي بما يكفل تقديم اعلى جودة للخدمة باقل التكاليف .

وفي إطار تلك الخطة التي تشتمل ذات ركائز رؤية الكويت 2035 ،قامت الحكومة بخطوات تنفيذية تجاه برنامج التخصيص وذلك من خلال التخارج وبيع مساهماتها في بعض الشركات المحلية ، هذا السياق تقّدم عدد من أعضاء مجلس الامة باقتراح بقانون إنشاء شركة مساهمة كويتية لشراء وبيع وتسويق الإنتاج الزراعي برأسمال يبلغ 50 مليون دينار ، ويهدف هذا المقترح وفق ما يراه مقدّموه الى تعزيز القطاع الزراعي ليكون مصدر من مصادر الدخل القومي ودعم المنتجات الزراعية الوطنية في مواجهة المنتجات المستوردة ، ورفع المعاناة عن كاهل المزارعين الذين يتعرّضون لخسائر تراكمية فادحة ، وصولا الى تحقيق الامن الغذائي .

وإذ نقدر حرص مقدّمي هذا المقترح واهتمامهم بالأمن الغذائي للوصول إلى نوع من الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الحيوي ،خاصة في ظل ازمة وباء كورونا وما كشفت عنه من وجود خلل في منظومة القطاع الزراعي ، الا ان مثل هذا المقترح يجب ان يكون متسقا مع خطة التنمية وبرنامج عمل الحكومة والذي اقر من قبل مجلس الامة  بالتوافق ، فهذا المقترح في رايي اعتبره ردة فعل سياسية سريعة غير موفّقة ،لم تأخذ بعين الاعتبار القرارات الاقتصادية التي سبق اتخاذها من قبل الحكومة في هذا الشأن .

والتساؤل المطروح هنا هل يعلم مقّدمي هذا المقترح بان هناك شركة قد تأسست في عام 1976 بموجب مرسوم اميري تحت اسم ( الشركة الزراعية للمنتجات الغذائية )؟ وهي شركة مساهمة مملوكة للقطاع العام تهدف الى تعزيز الإنتاج الزراعي المحلي بالإضافة الى تقديم افضل المنتجات الزراعية ، وان تلك الشركة تمتلك 28 فرعا وشبكة توزيع ومزارع محلية  ومخازن ، وقد قامت الحكومة بالتخارج من تلك  الشركة  من خلال  برنامج تحويل المساهمات العامة الى القطاع الخاص،  وذلك انسجاما مع التوجهات الحكومية  المتمثلة في تعزيز دور القطاع الخاص والتخفيف من هيمنة الدولة على النشاط الاقتصادي.

فرغم تأكيدنا على أهمية الامن الغذائي الذي يسعى اليه المقترح المقدم  إلا ان ذلك لا يعتبر مبررا كافيا في السعي لاتخاذ مثل تلك القرارات  السياسية ذات انعكاسات اقتصادية عكسية  ، فهل نحن الان امام اتجاهات جديدة تعيد النظر في اهداف خطة التنمية ورؤية الكويت 2035 لتعيدنا الى المربع الأول؟ .

ان  الاستعجال في تقديم مثل تلك المقترحات ليس هو الحل الأمثل  ، فالحل يكمن في ممارسة الدولة لدورها الرقابي الصحيح والفعّال على إدارة القطاع الخاص للأنشطة الاقتصادية بصفتها المشغًّل لتلك الخدمات ،وان يقوم مجلس الامة بدوره الرقابي على أداء الحكومة وفقا لما حددته احكام الدستور .

ختاما أتمنى ان لا يهدر القرار السياسي القرارات الاقتصادية السابق اتخاذها وتحميل المال العام تكلفة مثل تلك القرارات .

نُشر بواسطة bader alhammad

من مواليد الكويت عام 1964 ، حاصل على الاجازة الجامعية في تخصص المحاسبة عام 1988 بتقدير جيد جدا . بدء عمله في ذات العام بوظيفة محاسب بوزارة المالية وتدرج في المناصب الاشرافية كرئيس قسم التوجيه المحاسبي ثم مراقب مالي ثم مديرا لإدارة الرقابة المالية الى ان صدر به مرسوم اميري عام 2013 بتعينه وكيل مساعد بوزارة المالية حيث شغل منصب الوكيل المساعد لشئون الرقابة المالية . ثم عين بمرسوم اميري رئيسا لقطاع الرقابة المالية بجهاز المراقبين الماليين عند انشاءه في عام 2015 حيث شغل منصب رئيس قطاع الرقابة المالية للهيئات الملحقة والمؤسسات المستقلة خلال الفترة من عام 2016 حتى عام 2018، ومن ثم شغل منصب رئيس قطاع الرقابة المالية للوزارات والإدارات الحكومية في أكتوبر 2018 ، وبالإضافة الى عملة كلف بمنصب نائب رئيس الجهاز بالوكالة في نهاية ديسمبر 2018 حتى نوفمبر 2019.، وحاليا كاتب رأي ومتخصص في شئون المالية العامة في صحيفة الانباء الكويتية. كما شغل العديد من المناصب الأخرى محليا وخارجيا فكان عضو مجلس إدارة بنك الائتمان الكويتي، وعضو مجلس المدراء التنفيذيين للبنك الإسلامي للتنمية IDB و مجلس المديرين التنفيذيين لصندوق التضامن الاسلامي ISFD و مجلس المديرين التنفيذيين للمؤسسة الاسلامية لتامين الاستثمار وائتمان الصادرات ICIEC . هذا وقد شارك في العديد من اللجان منها الإدارية والفنية ولجان تقصي الحقائق و التحقيق محليا وخارجيا ، وله العديد من الآراء والاجتهادات الفنية التي اثرى بها العمل في مجال الرقابة المالية باعتباره احد مؤسسي نظام الرقابة المالية المسبقة بدولة الكويت ، وقد اصدر له جهاز المراقبين الماليين كتابه الأول في عام 2017 بعنوان ( بعض المسائل الفنية في قضايا الرقابة المالية ).

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: