صحيفة الانباء 17 مارس 2020
العناوين الرئيسية:
- ادارة الأزمات في مثل تلك الظروف تستلزم أن تكون لدى الدولة استعدادات كافية لما هو غير متوقع والتعامل مع ما قد يحدث من أحداث غير متوقعة.
- إدارة الأزمات تتطلب أن تدار من مجموعة تتميز بقدرة إدارية ذات كفاءة ومهنية عالية ومؤهلة للعمل في مثل تلك الظروف لتكون قادرة على تقليل المخاطر والخسائر.
- إدارة الأزمات تعتبر إدارة استثنائية أو ما يطلق عليها البعض مصطلح الإدارة بالاستثناء فإنها تستلزم أيضا تشريعات استثنائية.
- إننا أمام ظروف استثنائية حيث تؤدي الأزمة إلى تغيير مفاجئ في هيكلية مصفوفة المسؤوليات والصلاحيات واتخاذ القرارات.
- كل الأزمات تستلزم جهوداً في إدارتها كما تحتاج إلى مقومات لنجاحها وإلى منظومة تشريعية لممارستها.
- ما لمسناه من جهود جبارة من مؤسسات الدولة بقطاعيها العام والخاص انعكس إيجاباً على احتواء انتشار الفيروس وتراجع مرتبة الكويت على مستوى العالم في عدد الإصابات دلالة على نجاح تلك الجهود.
- التأخر في اتخاذ القرار غالباً ما تكون نتيجته كارثية ما يستلزم ضرورة تبسيط الإجراءات لتكون قادرة على التعامل مع الموقف في التوقيت المناسب.
- هل المنظومة التشريعية في الدولة مهيأة بالكامل للتعامل مع إدارة الأزمات؟
- هل أنظمة الدولة المالية والمحاسبية مهيأة للتعامل مع مسألة المساهمات المقدمة حالياً سواء بتسلمها أو توريدها للخزانة العامة للدولة؟
لا يخفي على كل متابع لسير احداث انتشار فايروس ( كورونا ) الإجراءات التي تتخذها البلدان التي طالها هذا الفايروس والتي تزيد عن 150 دولة في مواجهة تبعات هذ الانتشار ، وقد وصفت منظمة الصحة العالمية تفشي هذا الفايروس بالوباء الجائح بسبب سرعة انتشار العدوى ونطاقه ، والتخوف من القصور في اتخاذ الإجراءات اللازمة من بعض الدول للسيطرة على هذا الانتشار للفيروس.
لذا تأتي أهمية إدارة الازمات في مثل تلك الظروف التي تستلزم ان تكون لدى الدولة استعدادات كافية لما هو غير متوقع والتعامل مع ما قد حدث من احداث غير متوقعة ، وللازمات درجات منها ماهي منخفضة الحده على سبيل المثال ما حدث بالكويت ككارثة الامطار والسيول وانقطاع الكهرباء على مستوى واسع ، ومنها ما هو عالي الحده مثل ازمة الغزو العراقي الغاشم والازمة الحالية المتمثلة بانتشار فايروس الكورونا .
وكما نعلم بان كل الازمات تستلزم جهود في ادارتها كما تحتاج الى مقومات لنجاحها والى منظومة تشريعية لممارستها ، فجهود إدارات ومؤسسات الدولة في غاية لأهمية لنجاح إدارة الازمات ، وتمتد تلك الجهود الى دعم ومساندة من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص وكل فرد من افراد المجتمع ، فتكامل الجهود في غاية الأهمية في إدارة الازمات ، وبغض النظر عن السلبيات التي تطرح هنا وهناك وقد يكن جزء منها مستحق لكن ما لمسناه من جهود جبارة من مؤسسات الدولة بقطاعيه العام والخاص انعكس إيجابا على احتواء انتشار الفايروس ولعل تراجع مرتبة الكويت على مستوى العالم في عدد الإصابات منذ انتشاره دلالة على نجاح تلك الجهود .
وبالنسبة لمقومات إدارة الازمات فإننا امام ظروف استثنائية حيث تؤدي الازمة الى تغيير مفاجئ في هيكلية مصفوفة المسئوليات والصلاحيات واتخاذ القرارات ، والتي تتجاوز الإجراءات المعتادة للمسئوليات والصلاحيات المعتادة لتكون ملائمة للظروف الاستثنائية ، كما انها تدار من مجموعة تتميز بقدرة إدارية ذات كفاءة ومهنة عالية ومؤهله للعمل في مثل تلك الظروف لتكون قادرة على تقليل المخاطر والخسائر ، لذلك نرى الان إدارة الدولة لازمة تداعيات انتشار فايروس كرونا اختلفت عن ادارة الدولة في الظروف الاعتيادية ، فنرى مجلس الوزراء جلساته بانعقاد دائم ، وهناك فريق عمل لديه كافة الصلاحيات والمسؤوليات للتعامل مع الأزمة ، كما هو قادر على التعامل إعلاميا مع الازمة من حيث ضخ المعلومات والاخبار بشكل يسير ومتاح في جميع وسائل التواصل الاجتماعي ، كما ان الفريق بقوم بدور تنسيقي مع السلطة التشريعية من خلال اللقاءات التنسيقية الدورية فيما بينهم .
اما فيما يتعلق بالمنظومة التشريعية لممارسة إدارة الازمات ، فإننا نراها في غاية الأهمية لان غالبا ما تصطدم إدارة الازمات بالمنظومة التشريعية التي تعمل من خلالها ، فبما ان إدارة الازمات تعتبر إدارة استثنائية او ما يطلق عليها البعض مصطلح الإدارة بالاستثناء فإنها تستلزم أيضا تشريعات استثنائية ، فلا يمكن إخضاع الأزمة للتعامل بنفس الإجراءات الاعتيادية، لان الازمات عادة ما تكون حادة وعنيفة وذات كلفة عالية بشرية ومالية ،وتكون في وقت حرج ، فالتأخر في اتخاذ القرار غالبا ما يكون نتيجته كارثية مما يستلزم ضرورة تبسيط الإجراءات لتكون قادرة على التعامل مع الموقف بالتوقيت المناسب .
فهل المنظومة التشريعية بالدولة مهيئة بالكامل للتعامل مع إدارة الازمات ؟ ففي رايي انه على الرغم من التجارب السابقة للدولة في التعامل مع الازمات الا انه لم يتم تهيئة البيئة التشريعية بشكل مناسب لتساعد في إدارة الازمات ، وعلى وجه التحديد التشريعات المنظمة للشئون المالية والتي تعتبر ركيزة أساسية في إدارة الازمات ، وذلك اما بسبب قدم تلك التشريعات واما بسبب عدم مراعاتها لإدارة الازمات او اما لعدم تناولها بالشكل المطلوب .
فالمرسوم بقانون رقم 31 لسنة 1978 بشان قواعد اعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والذي يعتبر من اهم التشريعات المالية بالدولة، فالمرسوم لم يراعي في احكام ما يتعلق بإجراءات استثنائية تتناسب مع الازمات او الحالات الطارئة ، فحتى الاحكام المتعلقة بطلب فتح اعتمادات إضافة فإجراءاتها طويلة لا تتلاءم مع الظروف الطارئة، حيث مضى على صدور هذا المرسوم اكثر من 40 عاما فهو غير ملائم في مثل هذه الحالات .
وكذلك القانون رقم 30 لسنة 1964 بشان ديوان المحاسبة وتعديلاته ، فهو أيضا لم يراعي في احكام ما يتعلق بإجراءات استثنائية تتناسب مع الازمات او الحالات الطارئة ، فهو غير ملائم في مثل هذه الحالات .
اما القانون 49 لسنة 2016 بشان المناقصات العامة وتعديلاته، فانه على الرغم من ان القانون عالج جانب مهم يتعلق بالحالات الطارئة نتيجة ظروف غير متوقعة والكوارث ، حيث سمح القانون بحدود نصاب الجهاز المركزي للمناقصات للجهات والمؤسسات الحكومية باتخاذ إجراءات أولية ويتم اخطار الجهاز بها مع المستندات والمسوغات ، الا ان القانون الزم بان يقوم مجلس إدارة الجهاز المركزي للمناقصات بالبت بتلك الحالات مع مراعاة الاستعجال بها ، وهذا الالزام بالرجوع لمجلس إدارة الجهاز لا يتناسب ومقومات إدارة الازمات ، وبالنسبة للإجراءات المتعلقة بالشراء وتوفير الخدمات التي تقل عن نصاب الجهاز فالقانون لم يجيز او ينظم الحالات الطارئة للجهات والمؤسسات الحكومية نتيجة ظروف غير متوقعة والكوارث ، حيث سمح القانون بان تتولى وزارة المالية اصدار التعليمات بما لا يتعارض مع القانون .
ومن جانب اخر فيما يتعلق بالمبادرات التي تتقدم بها مؤسسات القطاع الخاص والافراد من مساهمات نقدية وعينية انطلاقات من الإحساس بالمواطنة وروح المسئولية المشتركة والتي لمسناها بكل فخر واعتزاز في هذه الازمة ، وهي ليس بغريبة على الكويتيين فهم دائما سباقون في هذه المواقف فهذا اصل معدنهم ، فالكل حاليا سخر ويسخر امكانياته المالية والعينية تحت تصرف الدولة لمواجهة هذا الوباء .
لكن من الملاحظ بان تلك من المساهمات بأنواعها لم تنظمها التشريعات العامة بالدولة سواء بقبولها او التصرف فيها ، وان كان هناك بعض التشريعات التي تنظم بعض الهيئات والمؤسسات الحكومية قد نظمت تلك المسالة وفي نطاق ضيق ، وعليه كيف سيتم التعامل مع تلك المسالة في ظل عدم وجود تنظم لمسالة التبرعات العينية والنقدية ؟ ، علما بان دليل الحسابات بتصنيف الميزانية الصادر بتعميم وزارة المالية قد عرف مثل تلك المساهمات بالتحويلات الطوعية سواء كانت جارية او رأسمالية باعتبارها إيرادات عامة للدولة والتي تشتمل التحويلات الجارية والرأسمالية المقدمة الى الحكومة لتمويل نفقات جارية او رأسمالية .
فهل انظمة الدولة المالية والمحاسبية مهيئة للتعامل مع مسالة المساهمات المقدمة حاليا سواء باستلامها وتوريدها للخزانة العامة للدولة ، وتخصيص ما يقابلها كاعتمادات بالميزانية لمواجهة أوجه صرفها ؟ هذا ما يستوجب معالجته حاليا في ظل وجود فراغ تشريعي في هذه المسالة.